القسم الثالث عشر – الباب الثاني
الباب الثاني السياسات الاقتصادية والتنموية
من الفوضى إلى الإنتاج السيادي
مقدمة
إذا كانت الدولة تُقاس بشرعيتها السياسية، فإنها لا تُحيا إلا بإنتاجها، وعدالتها، وقدرتها على تحويل الموارد إلى كرامة.
وفي الحالة السورية، لا يكفي إسقاط الاستبداد السياسي، ما لم يُسقَط معه الاستبداد الاقتصادي الذي كرّس التفاوت، والفساد، والتجويع، والارتهان، وحوّل الدولة إلى وسيط نَهْب، لا إلى ضامن حياة.
لقد خلّف النظام الساقط اقتصادًا مهشمًا، ريعياً، مفككاً، مرتهنًا للخارج، تحكمه شبكات فاسدة وميليشيات مالية، وتحولت فيه الدولة من محرّك للنمو إلى عبء على الفقراء، ومن ضامن للحقوق إلى سمسار للامتيازات.
في مشروع النهضة، لا يُنظر إلى الاقتصاد بوصفه مسألة أرقام أو موازنات فقط، بل باعتباره الساحة التي تُختبر فيها سيادة الدولة فعليًا: هل ننتج لنأكل، أم نستورد لنبقى تابعين؟ هل نخطط من داخل احتياجاتنا، أم نُدير العجز عبر الشحاذة الدولية؟ هل نُنمّي الإنسان المنتج، أم نُبقيه مستهلكًا مُهمّشًا؟
هذا الباب يطرح السياسات الاقتصادية والتنموية كجزء من رؤية تحررية سيادية، تتعامل مع الاقتصاد لا كأداة توازن مالي، بل كأداة تحرير وكرامة واستقرار.
وفيه ننتقل من توصيف الانهيار إلى تقديم خطط للإنتاج، والسيادة الزراعية، والنهضة الصناعية، والحوكمة البيئية، ومكافحة الفساد كمعركة وجودية.
فلا معنى لأي دولة بلا قدرة على الإنتاج، ولا سيادة لشعب لا يتحكم بخبزه ومائه وطاقته.
وهنا يبدأ التحدي الأصعب: كيف نحول ركام الاقتصاد السوري إلى طاقة نهوض؟ كيف نكسر دوائر الفساد والعطالة؟ وكيف نُنتج نموذجًا اقتصاديًا وطنيًا، مستقلًا، قابلًا للحياة في عالم متحوّل؟
هذه الأسئلة سنبدأ تفكيكها، وتحويلها إلى سياسات، فصلًا بعد فصل، بدءًا من السياسة الاقتصادية العامة كمدخل إلى السيادة المالية والإنتاجية.