القسم الرابع عشر – الباب الرابع
الفصل السابع عشر التقييم الشعبي التشاركي كأداة سيادية
في بيئة سياسية كمثل سوريا التي عاشت لعقود طويلة في ظل سلطة احتكارية مغلقة، لم تكن المشاركة المجتمعية في الحكم خيارًا مطروحًا، ولا كان للشعب دور فعلي في مراقبة أو تقييم أداء السلطات. تحوّلت الدولة إلى كيان منفصل عن المجتمع، وتحولت الشرعية إلى طقوس شكلية، واختُزلت السياسة في الطاعة أو المعارضة الصامتة.
من هنا، تأتي الحاجة التاريخية إلى التأسيس لتقليد جديد كليًا: التقييم الشعبي التشاركي، بوصفه أداة سيادية لا مجرد إجراء رقابي. وهو ليس تقنية إدارية، بل بُنية ثقافية وسياسية تعيد الاعتبار لدور المواطن بوصفه شريكًا فعليًا في بناء الدولة ومحاسبة سلطتها.
فالتقييم الشعبي التشاركي هو العملية التي من خلالها يُمنح المجتمع المدني، والنقابات، والهيئات المستقلة، والمواطنون عمومًا، القدرة المنظّمة والمؤسسية على مراقبة أداء السلطة التنفيذية، وتقييم السياسات العامة، والتأثير في مسار الدولة، لا فقط عبر صناديق الاقتراع، بل عبر أدوات مستمرة ومفتوحة.
وتنبع ضرورته من:
- غياب الثقة المتراكمة بين الدولة والمجتمع.
- هشاشة الثقافة السياسية وضعف الوعي التمثيلي.
- تراكم الخبرات السلبية مع مؤسسات مغلقة أو مزوّرة.
- الحاجة إلى تجديد الشرعية بشكل متواصل عبر الأداء والرضا.
ويتم تفعيله عبر بنى متدرجة تشمل:
- المجالس المحلية الرقابية المنتخبة من المجتمعات المحلية، وتتمتع بصلاحيات تقديم تقارير شهرية إلى الهيئات المركزية.
- المنصات الرقمية الوطنية التي تتيح للمواطنين تسجيل الملاحظات، والاقتراحات، والاعتراضات.
- آليات النقاش المفتوح في المدارس والجامعات والمجالس العامة، كممارسة تربوية ومجتمعية على الحوار والمساءلة.
- استطلاعات الرأي المؤسسية المعتمدة التي تُستخدم لقياس مؤشرات الرضا الشعبي وتعديل المسار بناءً عليها.
وتهدف هذه البنى إلى تكريس مفهوم أن السيادة ليست سلطة فوقية تُمنح، بل عقد حيّ يتجدد بالتقييم، ويتقوّى بالمحاسبة، ويستمد استدامته من مشاركة الشعب لا من احتكار النخب.
هكذا يتحوّل التقييم من عملية نُخبوية إلى ثقافة وطنية، ومن نشاط موسمي إلى وظيفة دائمة، ويُصبح الشعب هو الحارس الأول للدولة، لا المتفرّج على إخفاقاتها. ومصمم فعلي لاتجاهها، وتتحول الشرعية من تفويض وقتي إلى عقد مستمر ومتفاعل.