web analytics
القسم الخامس – الباب الثاني

الفصل العاشر خطة العشر سنوات

التحوّل من التعافي إلى النهضة

مقدمة الفصل

التعافي مرحلة ضرورية، لكنه لا يمكن أن يكون غاية لدولةٍ تسعى إلى النهضة. فالتعافي يرمّم ما كُسِر، أما النهضة فتبني ما لم يكن. ولهذا، لا تنحصر خطة العشر سنوات في ترميم الخراب، بل تتجاوز ذلك إلى تفكيك أسبابه، وبناء نموذج سيادي–حضاري متكامل يُعيد تعريف موقع الدولة، ودور المجتمع، ومفهوم الحكم.

هذه الخطة ليست برنامجًا تنمويًا، بل استراتيجية تحويل شاملة، تنتقل بسوريا من بقايا الدولة الفاشلة إلى نموذج الدولة السيادية الممكنة، عبر مسار طويل ومركّب يقوم على تثبيت المكتسبات الأولية وتوسيعها، وإعادة تأسيس العلاقة بين الإنسان والدولة على أسس الحرية، والعدالة، والمعنى.

أولًا: التثبيت بدل التوسّع بناء عمق الاستقرار

 الإنجازات الأولية في السنوات الثلاث الأولى (الأمن، الغذاء، المؤسسات) تُعدّ شرطًا لبداية الدولة، لكنها لا تؤسس لها ما لم يتم تثبيتها وتأطيرها. وتشمل هذه المرحلة:

  • ترسيخ اللامركزية البنّاءة بوصفها بنية دائمة تُنظّم العلاقة بين الدولة والمجتمعات المحلية.
  • صياغة منظومة انتخابية عادلة تضمن تمثيلًا فعليًا لكل المناطق والمكوّنات ضمن وحدة السيادة.
  • استكمال إصلاح القضاء وتحويله إلى سلطة رقابية مستقلة وفاعلة، ذات مصداقية مجتمعية عالية.
  • دمج القوى المحلية في المؤسسات السيادية على قاعدة المهنية والوطنية، وإنهاء التسلّح غير الرسمي تدريجيًا.
  • إعادة تعريف المؤسسة العامة كخادم اجتماعي لا كيان سلطوي، عبر إعادة هيكلة السياسات الإدارية والموازنات.

ثانيًا: الاقتصاد الوطني المستقل من الإنقاذ إلى السيادة

الاقتصاد هو الاختبار الأخطر لمدى نضج السيادة. فلا استقلال سياسي دون استقلال اقتصادي. وتشمل الخطة الاقتصادية للعشر سنوات:

  • إطلاق استراتيجية إنتاجية متوازنة بين القطاعات الثلاثة: الزراعة، الصناعة، والخدمات، مع إعطاء الأولوية للتنمية الريفية.
  • بناء بنية تحتية وطنية شاملة في مجالات الطاقة، النقل، المياه، الاتصالات، تُدار بشكل سيادي وعادل.
  • تحفيز الاستثمار الوطني ضمن نظام رقابي تحفيزي يربط الربح بالمسؤولية الاجتماعية والإنصاف.
  • تحويل التعليم المهني والتقني إلى محرّك للتنمية وتمكين الشباب، بدلًا من النظام التقليدي الجامد.
  • إصلاح النظام الضريبي ليصبح أداة للعدالة وتوزيع الثروة، لا أداة جباية انتقائية.

ثالثًا: الدولة العادلة من القانون إلى الثقافة

ليست النهضة قانونًا يُكتب، بل ثقافة تُبنى. وتقوم الدولة العادلة على مبدأ أن كل فعل سيادي يجب أن يَصدر من الإنسان ويعود إليه. لتحقيق ذلك:

  • نشر ثقافة المساءلة والمحاسبة في الإعلام، والتعليم، والفضاء العام، بوصفها قيمًا لا مجرد إجراءات.
  • تدريس تاريخ الانهيار بوصفه مسؤولية جماعية، تُدرّس لا لتخويف الأجيال، بل لتحصينها ضد الإعادة.
  • إعادة تعريف المواطنة كشراكة فاعلة قائمة على الوعي لا على الولاء، وعلى الكرامة لا على الخوف.
  • تحصين الحكم المحلي من الفساد والعصبيات، وتحويله إلى نموذج مصغّر للسيادة المسؤولة.

رابعًا: الاستجابة للتحديات من الارتجال إلى الاستباق

 خطة العشر سنوات لا تُبنى فقط على الآمال، بل على تحليل التحديات بواقعية:

  • مواجهة محاولات إعادة إنتاج السلطة القديمة تحت شعارات وطنية أو دينية مضلِّلة.
  • إدارة الأزمات الاقتصادية والتجارية نتيجة تقلبات الإقليم، عبر سياسات استباق واحتياط مستمر.
  • منع الانزلاق نحو الانقسامات الهوياتية بمعالجة عميقة للتمثيل السياسي والسرديات الوطنية.
  • احتواء خيبة الأمل المجتمعية عبر أدوات تفاعل فعّالة، وخطاب صادق، وآليات تصحيح دورية.
  • حماية السيادة من الاختراق الإقليمي بجعل الداخل أكثر تماسكًا، والدولة أكثر شرعية.

خاتمة الفصل

 العشر سنوات ليست استراحة، بل امتحان نهائي لإثبات أن ما بدأ كحلم يمكن أن يُصبح واقعًا. فإما أن تترسّخ الدولة بوصفها كيانًا سياديًا–أخلاقيًا–منتجًا–ممثلًا لشعبه، وإما أن تُبتلع مجددًا في دوامة التآكل، أو تُختطف باسم الواقعية، أو تتصلب باسم الاستقرار.

ولهذا، فإن خطة العقد الأول ليست نهاية المشروع، بل عبوره من النية إلى الاستدامة، ومن الشعارات إلى الممارسة، ومن الدولة المؤقتة إلى الدولة التي تستحق أن تبقى.