web analytics
القسم الخامس – الباب الثالث

 

الفصل الثاني عشر التوصيات للمؤسسات الانتقالية والحكومة السيادية

مقدمة الفصل

أولى الجهات التي تواجه امتحان مشروع النهضة في الواقع هي المؤسسات الانتقالية والحكومة السيادية التي تتولّى مهمة نقل سوريا من حالة الانهيار إلى مسار التأسيس. هذه الجهات لا تُمنح الشرعية، بل تكتسبها وتُحاسَب عليها. فما تقوم به خلال السنوات الأولى سيرسم ملامح الدولة المقبلة: هل ستكون امتدادًا للاستبداد بوجه جديد؟ أم بداية لتحرّر مؤسساتي وسيادي حقيقي؟

ولهذا، تُقدَّم التوصيات في هذا الفصل كخارطة وعي، لا كمجموعة تعليمات فوقية. فهي تحمّل المؤسسات الانتقالية مسؤولية أخلاقية وتاريخية لا تُقاس فقط بالقرارات، بل بالمنهج، وبالموقف من الناس، وبالموقف من السلطة ذاتها.

أولًا: التوصيات في بعدها الأخلاقي والسيادي

  • التزموا الشفافية في كل قرار، قانون، أو تعيين: لا مشروعية لقرار لا يُفسَّر ولا يُناقَش علنًا.
  • أوقفوا منطق الغنائم السياسية: لا تُعيَّن المناصب كمكافآت، بل بناءً على الكفاءة والاستحقاق.
  • اجعلوا ارتباطكم الأول بالمجتمع لا بالنخب أو العواصم الخارجية.
  • أعلِنوا التزامكم الصريح بأن السلطة وظيفة زائلة، لا غاية دائمة.

ثانيًا: التوصيات الهيكلية والمؤسساتية

  • صوغوا خطة زمنية واضحة للانتقال السياسي تُراجَع دوريًا وتُعلن للناس بشفافية.
  • فعّلوا الرقابة المؤسسية المستقلة: أنشئوا مجلس رقابي وطني غير خاضع للسلطة التنفيذية.
  • أوقفوا فورًا العمل بالتشريعات التي تنتهك الحريات الأساسية أو تكرّس الاستثناءات الأمنية.
  • أعيدوا هيكلة الأجهزة الأمنية تحت الإشراف القضائي والمدني المباشر.
  • أطلقوا نموذج اللامركزية البنّاءة في الحكم المحلي، وفعّلوا المجالس التمثيلية.

ثالثًا: التوصيات السياسية والإدارية العاجلة

  • تبنّوا لغة تأسيسية: لا انتصار، لا انتقام، لا وصاية على الناس.
  • افتحوا الإعلام الرسمي للمجتمع، لا للحكومة وحدها.
  • عالجوا ملفات الفساد الكبرى بمقاربة شفافة، لا كمسرحيات انتقائية.
  • أسّسوا شراكة واضحة مع المجتمع المدني في كل ما يتعلق بالتخطيط والمتابعة والتنفيذ.
  • أطلقوا برنامجًا وطنيًا لإصلاح الخدمة العامة، يُعيد ثقة الناس بالمؤسسات.

رابعًا: التوصيات المرتبطة بالشرعية ومفهوم الدولة

  • أعلنوا التزامكم بأن هدفكم ليس تثبيت أنفسكم في الحكم، بل تمهيد الطريق لمن يأتي بعدكم.
  • أقرّوا وثيقة ميثاق النهضة كمرجعية جامعة تُحتَكم لها فوق كل سلطة.
  • اعترفوا بأخطائكم، وتعلّموا من الإخفاقات، ولا تصنعوا صورة مصطنعة للإنجاز.
  • قاوموا غواية السلطة؛ فأسوأ ما قد يحدث أن تنقلبوا إلى نسخة ملساء من النظام الذي ثار عليه الناس.

خاتمة الفصل

 أعظم ما قد يُفشل مشروع النهضة هو أن يتحوّل إلى خطاب بلا تطبيق، أو إلى شعار تتاجر به سلطات جديدة

المؤسسات الانتقالية تُحاسَب على طريقتها في ممارسة السيادة، على رسائلها، على مدى إنصاتها للمجتمع، لا فقط على أوراقها الرسمية. الامتحان الحقيقي ليس أن تحكموا،

بل أن تحكموا بأخلاق المشروع الذي ترفعونه. ففي سوريا الجديدة، لا بد أن يكون الحكم تأسيسًا للكرامة، لا بديلاً ناعماً عن الاستبداد. ومن يحمل مشروع النهضة، عليه أن يكون أول من يلتزم به… لا أول من يساوم عليه.