القسم الخامس عشر – الباب الرابع
الفصل السابع عشر المبادئ العليا
القيم التي لا يجوز التنازل عنها
مقدمة الفصل
في مسار بناء أي مشروع نهضوي، لا يكفي رسم السياسات أو توزيع السلطات، بل لا بد من لحظة تأسيسية تُعلن فيها الدولة لنفسها ولشعبها: ما هي القيم التي إن فرّطت بها، انعدمت شرعيتها؟
في سوريا الجديدة، وبعد عقود من التزييف والاستبداد، لم يعد ممكنًا بناء دولة على توازنات مصالح فقط، بل على منظومة قيمية فوق سياسية، تعلو على التداول واللحظة والاحتياج.
هذه المبادئ ليست بنودًا قانونية، بل شروط وجود، ومحددات أخلاقية لما تعنيه “الدولة” أصلًا.
هي الضامن أن تبقى السيادة خادمة للكرامة،
وأن لا تتحول الوطنية إلى قيد،
ولا الأمن إلى اسم مستعار للخوف.
المبادئ العليا للميثاق
- كرامة الإنسان فوق كل اعتبار
لا شرعية لدولة تُهين شعبها، ولا قيمة لسيادة تُمارَس على الأجساد المنتهكة. - السيادة ملكٌ للشعب، ومُقيّدة بإرادته
لا تفويض دائم، ولا تمثيل بلا مراجعة، ولا سلطة تُمنَح باسم الطائفة أو التاريخ أو التحرير. - الحرية أصل الوجود السياسي، لا امتياز قانوني
حرية الفكر، التعبير، التنظيم، الضمير، والاعتقاد… حقوق لا يملك أحد الحق في تعطيلها. - العدالة ليست وظيفة مؤسسية بل جوهر الدولة
لا شرعية لأي نظام يميّز أو يُهمّش أو يُعفو بلا إنصاف، أو يُعاقب بلا قانون. - المساواة شرط للانتماء، لا فضل لأحد فيه
لا فرق بين سوري وسوري بالدين أو العرق أو الجندر أو المنطقة أو الطبقة. - التعدد غنى لا تهديد، وقيمة لا خطر
سوريا الجديدة تُبنى بالكل، لا ببعضه، ولا على حسابه. - العقل هو المرجع في القرار، لا الغريزة ولا العصبية
السياسة التي لا تقوم على المعرفة مصيرها التخبط أو التسلط. - السلطة مؤقتة، والشرعية متحوّلة، والتداول قاعدة مقدسة
لا وجود لسلطة خالدة، بل لحكم يُمدَّد فقط بإنجازاته، لا ببلاغاته. - الدولة أداة لخدمة الإنسان، لا العكس
تُبنى المؤسسات وتُقاس وتُراجع وفق قدرتها على تمكين الفرد والمجتمع. - لا أمن بلا حرية، ولا استقرار بلا عدالة، ولا وحدة بلا تمثيل
فالأمن الذي يقوم على القمع هشّ، والاستقرار القائم على الإقصاء زائل، والوحدة المفروضة وهمٌ تاريخي.
موقع هذه المبادئ من الميثاق والدستور
هذه المبادئ تُعد “الركائز فوق الدستورية” لمشروع النهضة.
أي أنها لا تُقاس بالنصوص، بل تُقاس النصوص عليها.
يجب على كل قانون أو سياسة أو ممارسة أن تخضع لمراجعة على ضوء هذه المبادئ.
لا تملك أي سلطة – تشريعية أو تنفيذية أو قضائية – حق تعطيلها، حتى تحت ذريعة الطوارئ أو الظروف الاستثنائية.
ويُعد الإخلال بها نزعًا مباشرًا للشرعية السياسية والأخلاقية عن أي كيان حاكم.
خاتمة الفصل
قد تتبدل الحكومات،
وقد تُعدّل الدساتير،
وقد تُراجع السياسات،
لكن هذه المبادئ لا تخضع للتعديل، لأنها ليست منتج تفاوض، بل جوهر الوعي الجماعي الذي يُعيد تعريف سوريا بوصفها وطنًا لا يُقايض الإنسان على حريته.
هنا يبدأ البناء الحقيقي:
ليس في الوزارات،
ولا في العسكر،
ولا في النصوص المعقّدة،
بل في هذه الكلمات التي تقف بيننا وبين السقوط مرة أخرى في حضن الاستبداد.