web analytics
القسم الخامس – الباب الرابع

الفصل العشرون معايير الاستدامة النهضوية

من التأسيس إلى التجديد الذاتي

مقدمة الفصل

ليست النهضة مشروعًا يُؤسَّس ويُترك، ولا الدولة كيانًا يُبنى مرة واحدة ثم يُصدَّق عليه إلى الأبد. فالتجارب الكبرى تنهار حين تظن أنها بلغت الكمال، والدول تفشل حين تتوهم أن مجرد وجود مؤسساتها كافٍ لاستمرارها.

في هذا الفصل، نرسم معايير الاستدامة النهضوية، لا بوصفها ضوابط تشغيل مؤقت، بل كمنظومة مراجعة ذاتية تجعل من المشروع كيانًا حيًا، مرنًا، يقبل النقد، ويتغذى عليه. فالنهضة التي لا تُراجع نفسها تتحوّل إلى سردية متكلّسة، والمبادئ التي لا تتجدَّد تصبح أدوات قمع باسم الثبات.

أولًا: النهضة بوصفها عملية مستمرة لا حالة منجزة

  • تُؤسَّس النهضة على أنها مشروع تحوّلي دائم، لا مرحلة انتقالية تنتهي بإقرار الدستور أو تشكيل الحكومة.
  • يُفهم التقدّم لا باعتباره التراكم الزمني، بل بمدى الالتزام القيمي وتجدد أدوات الإنجاز والمراجعة.
  • يجب أن يترافق كل إنجاز حكومي أو سياسي أو تنموي مع قراءة نقدية له: ماذا يعني؟ من يخدم؟ من يُقصي؟ وما أثره البنيوي؟

ثانيًا: معايير المراجعة الذاتية للمشروع

  • المساءلة الشعبية: أن يبقى المشروع قابلًا للنقد من الداخل، مفتوحًا أمام الناس وممثليهم، لا محجوزًا لنخبة مغلقة.
  • التقييم المؤسسي الدوري: تقارير شفافة تُنشر للعلن، تُقيس أداء المؤسسات وفق معايير العدالة والتمكين والكفاءة.
  • المرونة المبدئية: أن تبقى السياسات والاستراتيجيات قابلة للتعديل دون المساس بجوهر القيم.
  • الاجتهاد الأخلاقي والسياسي المتجدد: فسح المجال للمثقفين ومراكز التفكير لطرح الأسئلة الجوهرية بلا خوف أو تواطؤ.

ثالثًا: موانع الاستدامة وسبل الوقاية منها

  • التحوّل إلى سردية انتصارية مغلقة: حين تتوهم النخبة أن المشروع أصبح رمزًا لا يُمسّ.
  • المحاباة المؤسسية: حين تُستثنى شخصيات أو هيئات من المراجعة بحجة “الدور التاريخي” أو “الخبرة”.
  • غياب النقد المنظّم: حين تغيب منابر النقد الحر ووسائل الإعلام المستقلة.
  • التجميد الإجرائي باسم الاستقرار: حين تُؤجَّل المراجعات وتُخنق المحاسبة باسم “المصلحة الوطنية”.

رابعًا: أدوات التجديد الذاتي في الميثاق

  • مؤتمر وطني سنوي لتقييم المسار النهضوي، يُعقد علنًا وتُنشر خلاصاته.
  • هيئة مراجعة استراتيجية دائمة: مستقلة عن السلطات، تُصدر تقارير دورية لتقييم الالتزام بروح الميثاق.
  • مجلس ضمان القيم النهضوية: هيئة رقابية تضمن حماية المبادئ العليا من التفريغ أو الاستخدام الرمزي.
  • دور فاعل للجامعات ومراكز الأبحاث: مختبر دائم لصياغة السياسات البديلة، ورصد الفجوات التنفيذية. 

خاتمة الفصل

 النهضة ليست كيانًا يُؤسَّس ثم يُجمَّد، بل فعل مستمر من المراجعة والجرأة. وصدق المشروع لا يُقاس بما يقوله عن نفسه، بل بما يتيح للآخرين أن يقولوه عنه. فما لا يُراجَع، لا يُصان، وما لا يُتحدَّى، لا ينمو.

بهذا نصل إلى العتبة الأخيرة في الميثاق، والتي تُجيب عن السؤال السيادي الأهم: ما مصدر الشرعية في الدولة الجديدة؟ وهل يحق للحكم أن يستمر إذا لم يُنجز؟