القسم الخامس عشر – الباب الرابع
الفصل الثاني والعشرون آليات إلزامية للميثاق
من الوثيقة إلى السلطة القانونية
مقدمة الفصل
الميثاق، بوصفه وثيقة تأسيسية فوق دستورية، لا يحقّق غايته إن بقي نصًا معنويًا أو إعلانًا رمزيًا.
ففي تجارب الشعوب، غالبًا ما تُكتب الوثائق الكبرى بلغة سامية، ثم تُنتهك بذرائع قانونية أدنى منها، أو تُجمّد تحت ضغط الواقع السياسي.
ولهذا، لا تُقاس جدية أي ميثاق بما يحتويه فقط، بل بما يضمن تطبيقه، وبالآليات التي تترجم مبادئه إلى إطار حاكم للقرار والسياسة والدستور والمحاسبة.
هذا الفصل يضع البنية الإلزامية التي تجعل الميثاق جزءًا من نظام الحكم لا مجرد نص في رفوف الأرشيف.
أولًا: دسترة الميثاق وربطه بالبنية القانونية العليا
- يُدرج الميثاق بوصفه مرجعية تأسيسية فوق دستورية في مقدمة الدستور، وتُقرّ بنوده الأساسية كمواد غير قابلة للتعديل إلا باستفتاء شعبي خاص.
- تُلزم جميع السلطات والمؤسسات بتفسير النصوص الدستورية والتشريعية في ضوء المبادئ العليا للميثاق، لا العكس.
- لا تُعتمد أي صيغة قانونية جديدة إذا ثبت أنها تُخالف بنود الميثاق، ويحق للجهات الرقابية الطعن بها أمام الهيئة الدستورية العليا.
ثانيًا: إنشاء “محكمة الميثاق” أو الهيئة الدستورية العليا لحمايته
- تُنشأ هيئة مستقلة تُعرف باسم “محكمة حماية الميثاق“، تتكون من قضاة وخبراء دستوريين، وممثلين عن المجتمع المدني، وتكون مهمتها الفصل في أي خرق لمبادئ الميثاق.
- تُعتبر قرارات الهيئة ملزمة لكافة السلطات، ولا يجوز تعطيلها أو تأجيلها أو تعطيل تنفيذها.
- يُخوّل للمواطنين والمؤسسات الطعن أمام المحكمة في السياسات أو القوانين أو الإجراءات التي تُخالف الميثاق.
ثالثًا: آليات الطعن الشعبي المباشر
- يحق لأي مواطن أو مجموعة من المواطنين (بتوقيع عدد معيّن) تقديم طلب مراجعة دستورية إذا ما ارتُكب خرق لمبادئ الميثاق.
- تُتاح منصة رقمية موحدة لهذا الغرض بإشراف هيئة الرقابة والمجتمع المدني.
- تُستقبل المرافعات العلنية، وتُبثّ قرارات المحكمة بشكل شفاف، مع تسبيب قانوني وأخلاقي.
رابعًا: إخضاع السياسات العامة للامتثال الميثاقي
- كل سياسة أو خطة وطنية (تنموية، أمنية، اقتصادية، تعليمية، إعلامية…) يجب أن تتضمن تقييمًا مسبقًا لمدى توافقها مع الميثاق.
- تُنشر تقارير التقييم ضمن ملحق خاص بكل سياسة عامة.
- تُعدّ مخالفة أي جهة لهذه المتطلبات سببًا للمساءلة البرلمانية أو المجتمعية أو القضائية.
خامسًا: الميثاق كأداة لمحاسبة الحكومات والقيادات
- يُعدّ أي خرق جوهري لمبادئ الميثاق – سواء بالتنفيذ أو الخطاب أو التجاهل – موجبًا لنزع الشرعية السياسية والأخلاقية عن الجهة المخالفة.
- في حال تكرار الانتهاك أو ثبوت نية الانحراف، يُفعّل حق الاستدعاء السيادي الذي يتيح للشعب سحب التفويض، وفق آلية دستورية مستقلة.
سادسًا: العلاقة بين الميثاق والمواثيق الدولية
- تُقر الدولة بأن الميثاق يُشكّل امتدادًا سياديًا للمواثيق الدولية في حقوق الإنسان والعدالة والمساءلة.
- لا يجوز عقد أي اتفاق خارجي أو توقيع معاهدة تُخالف مضمون الميثاق، وتُعتبر لاغية قانونيًا في حال التناقض.
- يُفسَّر التزاحم بين المعايير الدولية والوطنية لصالح الكرامة والعدالة والتمثيل الشعبي، بحسب روح الميثاق.
خاتمة الفصل
لا تكتمل جدوى الميثاق إلا إذا امتلك قوة القانون، وسلطة الحماية، وآليات المحاسبة.
وما لم يتم تحصينه دستوريًا، وتفعيله مؤسساتيًا، سيبقى مجرد نداء شريف في مواجهة منطق المصالح.
فالدولة التي تُعلن المبادئ ولا تُلزم نفسها بها، إنما تُراكم الخداع.
أما الدولة التي تكتب عقدًا، وتُنشئ المحاكم لحمايته، وتُخضع نفسها له، فهي دولة بدأت تنتمي فعليًا إلى شعبها.