web analytics
القسم السادس عشر – الباب الأول

الفصل الثاني الإطار الدستوري الانتقالي

من النصوص التأسيسية إلى البناء المؤسسي

مقدمة الفصل
بعد إعلان الدولة السورية الجديدة بوصفها كيانًا تعاقديًا سياديًا يستند إلى الميثاق،

تأتي الحاجة إلى إطار دستوري انتقالي، لا ليؤسس الشرعية من جديد، بل ليترجم الميثاق إلى منظومة حكم واقعية ومنضبطة، تُدير المرحلة الانتقالية بتوازن وقانون وضمانات.

هذا الإطار لا يُعدّ بديلاً عن الدستور الدائم، بل خطوة تأسيسية مؤقتة تُنظّم توزيع السلطات، وتحدد الوظائف السيادية، وتمنع الفراغ، وتؤسّس لأرضية عادلة ومتزنة نحو الاستحقاقات القادمة.

أولًا: سمات الإطار الدستوري الانتقالي

  1. فوقية الميثاق:
    الميثاق هو المرجعية العليا، ويُعتبر أي نصّ دستوري مخالف له باطلًا بحكم التأسيس.
  2. محدودية الزمان والوظيفة:
    لا يهدف هذا الدستور إلى إرساء بنية نهائية، بل إلى ضبط المرحلة الانتقالية وتوجيهها نحو الدولة المستقرة.
  3. المرونة المنضبطة:
    يمتاز بالقدرة على التكيّف دون الانزلاق في فوضى التعديل أو تعطيل الالتزامات.
  4. التمثيل السيادي لا السلطوي:

لا يمنح سلطات مطلقة لأي مؤسسة، بل يبني توزيعًا وظيفيًا قائمًا على المساءلة المباشرة من الشعب ومجلس النهضة الوطني.

ثانيًا: المكونات الأساسية للإطار الدستوري المؤقت

  1. تثبيت الشرعية التأسيسية للميثاق
    – ويُدرج في ديباجة الإطار كنص مرجعي ملزم لكافة السلطات، وغير قابل للتعليق أو الإلغاء أو التجميد.
  2. المجلس الوطني للنهضة كسلطة سيادية انتقالية عليا

يُمارس صلاحيات الحماية الدستورية، والتوجيه الاستراتيجي، والإشراف على سير المرحلة، دون أن يتدخل في التنفيذ اليومي.

  1. الحكومة الانتقالية كسلطة تنفيذية خاضعة للمساءلة

– تُشكَّل بالتوافق الوطني، وتُمنح صلاحيات محدودة ضمن جدول زمني ومهام تأسيسية واضحة (الأمن، العدالة، إعادة المؤسسات، الاقتصاد الطارئ، العملية الدستورية).

  1. هيئة رقابة ومحاسبة مستقلة
    – ترتبط مباشرة بمجلس النهضة، وتراقب أداء الحكومة وسلوك المؤسسات، وتُصدر تقارير دورية علنية.
  2. مجلس قضائي انتقالي مستقل
    – يتولّى مهمة تصحيح المنظومة القضائية، والتحقيق في الانتهاكات، وفصل النزاعات الإدارية والدستورية. 

ثالثًا: الضمانات الدستورية الانتقالية

  • محدودية المدة:
    لا يجوز تمديد المرحلة الانتقالية إلا باستفتاء شعبي خاص.
  • تحريم الاحتكار أو التوريث أو تمديد الصلاحيات الاستثنائية.
  • علانية الأداء العام والتشريعات والإجراءات.
  • ربط منح الثقة واستمرار التفويض بتقارير الإنجاز لا الخطابات السياسية.

رابعًا: آلية إنتاج الدستور الدائم

  1. تشكيل لجنة تأسيسية دستورية مستقلة عن السلطات الانتقالية، من خبراء وفاعلين وممثلين مجتمعيين.
  2. طرح مشروع الدستور للحوار العام على مدى لا يقل عن ستة أشهر، يتخلله استفتاء إلكتروني ومباشر للشرائح السورية المختلفة.
  3. إجراء الاستفتاء الشعبي العام النهائي، ويُقرّ الدستور بأغلبية مزدوجة: الأغلبية العامة، وأغلبية المناطق.
  4. الانتقال إلى المرحلة الدستورية الدائمة، وتفكيك البنية الانتقالية لصالح نظام دستوري مستقر.

خاتمة الفصل
لا يمكن للثورة أن تنتج نظامًا، ما لم تُصغ مؤقتها بلغة القانون،
ولا يمكن للنهضة أن تُصان، إن لم تُضبَط بآليات دستورية تمنع تغوّل السلطة تحت عنوان “الاستثناء”.
وفي سوريا الجديدة، لن يكون الدستور وثيقة “استرضاء” لفئة أو جهة،

بل ترجمة عقد جامع يُعيد إنتاج الدولة من الصفر، ويضمن ألّا تنزلق مجددًا نحو القهر باسم السيادة أو الفوضى باسم الحرية.