القسم السادس عشر – الباب الثاني
الفصل السادس الطبيعة القانونية للإعلان الدستوري المؤقت
من الوثيقة التأسيسية إلى الإطار السيادي الحاكم للمرحلة الانتقالية
مقدمة الفصل
حين تُولد دولة جديدة من رحم الانهيار، لا يكفي أن تُعلن عن نفسها سياسيًا أو أخلاقيًا.
بل لا بد من وثيقة سيادية تُحدِّد من يحكم، وبماذا، وكيف، ولمن.
ولهذا، يُشكّل الإعلان الدستوري المؤقت الخطوة الحاكمة بين ولادة الدولة الجديدة واستقرارها، بوصفه الأداة القانونية الأعلى في المرحلة الانتقالية،
والمُعبّر عن التعاقد الجديد بين السلطة والمجتمع، القائم على مبادئ الميثاق لا على منطق الغلبة أو الوراثة أو الفرض العسكري أو العقائدي.
فهو ليس فقط إعلان نوايا، ولا مجرد آلية فنية، بل أداة سيادية شاملة تؤسّس للشرعية الجديدة، وتربط الأداء بالمحاسبة، وتضمن أن لا تتحوّل المرحلة الانتقالية إلى مشروع استدامة سلطوية.
أولًا: تعريف الإعلان الدستوري المؤقت ووظيفته التأسيسية
- الإعلان الدستوري المؤقت هو وثيقة دستورية مؤقتة ذات صفة فوق تشريعية، تُصدرها وتلتزم بها الدولة السورية الجديدة بعد تثبيت ميثاق النهضة،
وتُعتبر المرجعية القانونية الأولى التي تُستمد منها شرعية السلطة في المرحلة الانتقالية.
- لا يهدف الإعلان إلى صياغة نظام دائم، بل إلى ضبط المرحلة السيادية المؤقتة وفق معايير واضحة، وضمان الانتقال إلى النظام الدستوري المستقر عبر آليات مجدولة.
- يختلف الإعلان المؤقت عن الدستور في كونه وثيقة عقد سيادي–وظيفي مؤقت، وليس وثيقة شاملة للقيم والمبادئ العليا، والتي تم تثبيتها مسبقًا في ميثاق النهضة.
ثانيًا: علاقته بالميثاق والدستور الدائم
- يستند الإعلان الدستوري إلى ميثاق النهضة بوصفه المرجعية الفوق دستورية والملزمة لكل ما يصدر لاحقًا من قوانين أو أنظمة.
- لا يجوز لأي نص في الإعلان أن يُخالف المبادئ العشرة الكبرى أو الالتزامات السيادية الواردة في الميثاق،
ويُشترط تفسير بنوده وفق روح الميثاق لا بحسب المصلحة المؤقتة. - يُعتبر الإعلان بمثابة مرحلة “بينية” بين فراغ السيادة وسنّ الدستور الدائم،
ويُهيّئ البيئة السياسية والاجتماعية والقانونية اللازمة لإطلاق الجمعية التأسيسية أو هيئة الدستور، فور تحقق الشروط الموضوعية.
ثالثًا: مدة سريانه وظروف انتهاء مفعوله
- يُحدّد الإعلان مدة سريانه مبدئيًا بـ أربع سنوات قابلة للتمديد لمرة واحدة فقط وفق آلية دستورية استثنائية وبقرار مُعلّل من مجلس السيادة الانتقالي.
- ينتهي الإعلان تلقائيًا عند تحقق أحد الشرطين التاليين:
- إصدار دستور دائم جديد عبر جمعية تأسيسية منتخبة وتمريره باستفتاء شعبي حر وشفاف.
- فشل الحكومة الانتقالية أو السلطة المؤقتة في إجراء الانتخابات العامة خلال المدة المحددة، بما يُعيد البلاد إلى مرحلة سيادية جديدة تُنظَّم بموجب إعلان آخر.
- خلال سريان الإعلان، تُقيَّم التزامات السلطة الانتقالية تجاه المجتمع ضمن مراجعات دورية عامة وشاملة، تُشرف عليها هيئة الرقابة العليا ومؤسسات المجتمع المدني.
خاتمة الفصل
بهذا الإعلان، لا تمنح الدولة لنفسها “حق الحكم”، بل تُخضع هذا الحق لإرادة الناس، ولمبادئ النهضة، ولمسؤولية التنفيذ.
فهو ليس ورقة تنظيم مؤقت، بل إطارٌ تأسيسي يُحصّن المرحلة الانتقالية من العبث، ويمنع اختطاف السيادة باسم الطوارئ أو الأهلية الثورية أو الضرورات الأمنية.