web analytics
القسم السادس عشر – الباب الثالث

الفصل الرابع عشر الإدارة المحلية

تطبيق اللامركزية البنّاءة

مقدمة الفصل

في الدولة السورية الجديدة، لا تكتمل معالم السيادة ولا تستقر مؤسسات الحكم دون إدارة محلية فعّالة تعبّر عن التمثيل الحقيقي، وتُمارس وظائفها بمرونة وعدالة، وتُجسّد مبدأ اللامركزية البنّاءة. فالسلطة المركزية، مهما بلغت من نوايا الإصلاح، تبقى عاجزة عن فهم خصوصيات المناطق، ما لم تكن هناك منظومة إدارة محلية قوية، شفافة، مسؤولة، ومتصلة بالمجتمع لا خاضعة له.

هذا الفصل يرسّخ الأسس الدستورية والتنظيمية لبناء تلك الإدارة المحلية، بوصفها شريكًا سياديًا في إدارة الدولة خلال المرحلة الانتقالية وما بعدها.

أولًا: تفعيل المجالس المحلية – من التجميد إلى الحركة

  • تُعاد هيكلة المجالس المحلية في جميع المحافظات، وتُفعَّل بقرارات سيادية مباشرة من مجلس النهضة الوطني.
  • تُعقد انتخابات محلية مؤقتة ضمن السنة الأولى من المرحلة الانتقالية لاختيار أعضاء المجالس، مع ضمان التمثيل العادل لجميع المكوّنات.
  • تُمنح المجالس صلاحية إدارة الشأن المحلي في الخدمات، والتنمية، والرقابة، والتعليم، والصحة، بما لا يتعارض مع الإطار السيادي العام.
  • تُشكّل هيئة وطنية مستقلة لمراقبة أداء المجالس المحلية، وتلقي الشكاوى، وتقديم التوصيات للمجلس السيادي والحكومة.

ثانيًا: توزيع الصلاحيات بين المركز والمحيط – هندسة التوازن لا التفكيك

  • يُحدَّد في الإعلان الدستوري المؤقت توزيع واضح للصلاحيات بين الحكومة المركزية والإدارات المحلية.
  • تُخوّل المجالس المحلية بإدارة الميزانيات التشغيلية للمرافق الخدمية، مع إلزام الحكومة بتقديم الدعم الفني واللوجستي اللازم.
  • تُمنح المجالس صلاحية التشريع المحلي في القضايا الخدمية والتنموية ضمن إطار القوانين العامة.
  • تُطبَّق منظومة اللامركزية التدريجية، بحيث تُمنَح الصلاحيات بناءً على جاهزية كل وحدة إدارية، مع التقييم السنوي لمستوى النضج المؤسسي.

ثالثًا: معايير المساءلة والتمثيل في الوحدات الإدارية

  • يُشترط في المجالس المحلية اعتماد معايير النزاهة، والكفاءة، والتمثيل المجتمعي عند اختيار أعضائها وممثليها.
  • تُفعَّل آليات المراقبة المحلية من قبل المجتمع المدني، وتُعقد جلسات استماع شعبية شهرية لتقييم الأداء.
  • يُلزم أعضاء المجالس بنشر تقارير مالية وإدارية دورية، متاحة للعامة، وتُراقَب من قبل ديوان المحاسبة المحلي.
  • تُحظر إعادة إنتاج الهيمنة السياسية أو الفئوية في الإدارة المحلية، وتُفرض عقوبات على استخدام المنصب لأغراض حزبية أو عائلية أو مناطقية.

رابعًا: التأهيل والدعم التقني للمجالس المحلية

  • تُخصص وزارة شؤون الإدارة الانتقالية برامج تدريب مركّزة لأعضاء المجالس المنتخبة والعاملين فيها.
  • يُطلق مشروع “الدليل المحلي للإدارة الرشيدة” كمصدر مرجعي وطني، يُنظّم آليات العمل، ويُبسّط الإجراءات.
  • تُشجَّع الشراكات بين المجالس المحلية والجامعات، والمراكز البحثية، والمجتمع المدني، لإثراء الرؤية التخطيطية.
  • تُوفَّر أدوات رقمية حديثة لإدارة الموارد، وربط المجالس المحلية بالنظام الرقابي والإحصائي الوطني.

خاتمة الفصل

اللامركزية ليست تفويضًا إداريًا فقط، بل فلسفة حكم تعيد توزيع السيادة لتصبح موزّعة بإنصاف، لا متمركزة بوصاية. والمجالس المحلية ليست ديكورًا إداريًا، بل ضمانة لبقاء الدولة على تماس مع مواطنيها، وتمثيلهم، وتمكينهم. ففي سوريا النهضة، لا تُبنى الدولة من الأعلى إلى الأسفل، بل من القاعدة إلى القمّة، حيث يكون المواطن هو المركز، والسلطة خادمة له، لا متسلطة عليه.