web analytics
القسم السادس عشر – الباب الثالث

الفصل الثاني عشر الجهاز التنفيذي السيادي

القيادة في مرحلة التأسيس

مقدمة الفصل

في اللحظة التي تنتقل فيها الدولة السورية الجديدة من طور الميثاق والتأسيس النظري إلى ممارسة السلطة الفعلية، تبرز أهمية تحديد الجهاز التنفيذي الذي سيتولى قيادة المرحلة الانتقالية العليا.

ولا تكمن خطورة هذه المرحلة في غياب المؤسسات فقط، بل في إمكانية الانحراف نحو التسلط تحت غطاء “الضرورة”، أو إعادة إنتاج السلطة كغنيمة فئوية أو أيديولوجية.

ولهذا، يأتي هذا الفصل لضبط معايير اختيار القيادة الانتقالية، وتحديد صلاحياتها، ووضع الضمانات الفعلية لعدم تحوّلها إلى سلطة فوقية أو دائمة.

أولًا: معايير اختيار القيادة الانتقالية

  • الشرعية السيادية لا الفئوية:

لا يجوز تعيين أي قيادة انتقالية على أساس المحاصصة أو الانتماء السياسي أو العقائدي، بل تُختار استنادًا إلى تمثيل سيادي وطني شامل، يُراعي التوازن بين المناطق والمكوّنات، دون تمييز ولا إقصاء.

  • الخبرة الأخلاقية قبل التقنية:

يُشترط في القيادة الانتقالية سجلّ نظيف من الفساد والانتهاكات، وتاريخ معلن في الالتزام بالكرامة، والحرية، والسيادة الوطنية.

  • عدم الطموح للبقاء:

يُحظر على من يتولّى القيادة الانتقالية الترشّح لأي منصب دائم بعد انتهاء المرحلة، لضمان نقاء الدافع، ومنع تسييس الإدارة المؤقتة لصالح أطماع فردية أو فئوية.

  • القبول المجتمعي لا الولاء السياسي:

يُراعى في اختيار أعضاء الجهاز التنفيذي تمتعهم بثقة شعبية واسعة، وخطاب جامع، وقدرة مثبتة على إدارة التنوّع دون استعلاء أو نزعة هيمنة.

ثانيًا: طبيعة الصلاحيات المحددة

  • التنفيذ لا التشريع:
    تقتصر صلاحيات القيادة الانتقالية على إدارة شؤون الدولة التنفيذية وفق ما ينص عليه الإعلان الدستوري، دون صلاحيات تشريعية إلا ما تفرضه حالة الضرورة وبموافقة مجلس السيادة الوطني.
  • إدارة الأزمة لا صناعة السلطة:
    تلتزم القيادة المؤقتة بمهام الإنقاذ وتسيير المرحلة، لا بناء توازنات سلطوية، أو صياغة ترتيبات دائمة خارج الميثاق.
  • الالتزام بالتشاور والتقارير الدورية:
    ترفع القيادة الانتقالية تقارير شفافة ومنتظمة إلى المجالس الرقابية (السيادية، المدنية، والإعلامية)، وتُخضع قراراتها الكبرى للمصادقة التشاركية.
  • قيادة جماعية لا مركزية فردية:

يُمنع تركيز القرار بيد رئيس الحكومة أو قائد واحد، وتُوزع المسؤوليات ضمن هيكل جماعي واضح، يُدار بروح فريق لا بنمط قيادة فوقية.

ثالثًا: الضمانات ضد التسلّط أو الاحتكار

  • تحديد مدة الولاية بدقة:

لا تتجاوز ولاية الجهاز التنفيذي الانتقالي ثلاث سنوات غير قابلة للتمديد، وتُحدّد مواعيد ثابتة لبداية كل استحقاق سياسي جديد.

  • الرقابة المتعددة:

تُخضع القيادة للرقابة من مجلس السيادة الوطني، والمجلس التشريعي المؤقت، والمجالس المحلية، إضافة إلى رقابة الهيئة العليا للشفافية والمساءلة.

  • الإعلام كسلطة رابعة:

يُمنح الإعلام صلاحية الاطلاع المباشر على جلسات اتخاذ القرار، ويُمنع تقييده أو معاقبته طالما التزم بالنزاهة والأمن العام.

  • فتح باب الطعن الشعبي:

يحق للمجتمع المدني تقديم طعون دستورية أو شعبية في أي قرار يتجاوز الصلاحيات المحددة، وتُحال هذه الطعون لهيئة قضائية انتقالية مستقلة.

خاتمة الفصل

في مرحلة التأسيس، يكون الانحراف أسهل من البناء، والخطر الأكبر لا يكمن في غياب السلطة، بل في نشوئها على نحو غير قابل للرد أو التقييد.

ولهذا، لا يكون الجهاز التنفيذي مجرد أداة إدارة، بل امتحانًا للمصداقية، والتواضع، والالتزام الصارم بروح النهضة لا بحسابات السلطة.