web analytics
القسم السادس عشر – الباب الثالث

الفصل الخامس عشر الأمن الوطني

ضبط المرحلة دون عسكرة

مقدمة الفصل

حين تسقط الأنظمة الاستبدادية، يبقى الأمن هو التحدي الأكبر أمام أي مشروع تأسيسي. إذ لا يمكن بناء دولة دون أمن، ولا يمكن أن يكون الأمن مبررًا لولادة عسكرة جديدة.

وفي سوريا الجديدة، لا يُفهم الأمن بوصفه سلطة قمع، بل بوصفه عقد حماية متبادل بين المواطن والدولة.
وهذا الفصل يضع الإطار السيادي العادل لإدارة الملف الأمني في المرحلة الانتقالية، ضمن بنية مؤقتة واضحة المعالم،

خاضعة للرقابة، ومستندة إلى مبدأ الفصل بين الأمن العام الذي يحمي الحياة اليومية، والأمن السياسي الذي لطالما كان أداة إذلال وتحكّم.

أولًا: هيكل القوة الأمنية المؤقتة – من السيطرة إلى الخدمة

  • تُشكَّل “الهيئة العامة للأمن الوطني المؤقت” بقرار من مجلس السيادة الوطني، وتخضع مباشرة لرقابة المجلس، لا للحكومة التنفيذية.
  • تتكوّن من ثلاث وحدات مستقلة:
    1. قوة الشرطة المحلية: تعمل تحت إدارة المجالس المحلية المنتخبة، وتتولى حفظ الأمن المدني.
    2. جهاز التحقيق الجنائي: يتبع السلطة القضائية مباشرة، ويتولى التحقيق في الجرائم وفق ضمانات العدالة وسيادة القانون.
    3. وحدة الطوارئ الوطنية: مكلّفة بالاستجابة للكوارث والأزمات، وتُمنع من التدخل في الحياة المدنية أو السياسية.
  • تُمنع أي تشكيلات مسلحة غير خاضعة للهيكل الوطني من ممارسة مهام أمنية، وتُدمَج القوى المؤهلة تدريجيًا وفق معايير مهنية صارمة.

ثانيًا: دور المجالس المحلية في ضبط الأمن – شراكة لا تبعية

  • تُمنح المجالس المحلية صلاحيات إشرافية على أجهزة الشرطة في نطاقها الجغرافي، مع تمثيل مدني في لجان الأمن المحلية.
  • تُنشأ “لجان أمنية مجتمعية” في كل منطقة، تتكوّن من وجهاء، وممثلين عن المجتمع المدني، وهيئات حقوقية، وتضطلع بمهام التحقق من الانتهاكات وتقديم التوصيات.
  • يُلزَم كل جهاز أمني محلي بعقد لقاءات دورية مع المجالس الشعبية، لعرض أدائه ومناقشة الخطط الأمنية.
  • تُدرّب العناصر الأمنية المحلية في معاهد مهنية مدنية، بإشراف منظمات حقوق الإنسان ومراقبين مستقلين.

ثالثًا: الفصل بين الأمن العام والأمن السياسي – القطع مع ثقافة الرقابة

  • يُعلن صراحة إلغاء كافة الأجهزة الأمنية ذات الطابع السياسي أو العقائدي، وتُحال أرشيفاتها إلى هيئة العدالة الانتقالية.
  • يُجرَّم قانونًا أي نشاط أمني يهدف إلى مراقبة الحياة السياسية أو الاجتماعية للمواطنين.
  • يُؤسس جهاز مستقل تحت السلطة القضائية لمراقبة عمل المؤسسات الأمنية، والتحقيق في الشكاوى، وإحالة القضايا للنيابة المختصة.
  • يُدرَّس “ميثاق الأمن الوطني الجديد” لجميع العناصر، بوصفه مرجعية أخلاقية وقانونية، يُحاسَبون على أساسها لا على أساس الأوامر الشفهية.

رابعًا: بناء ثقافة أمنية جديدة – حماية لا تهديد

  • تُطلق حملة وطنية للتثقيف بمفهوم الأمن المدني، تُشارك فيها وسائل الإعلام، والمدارس، والمنظمات المجتمعية.
  • تُنشأ وحدة توثيق وطنية لرصد الممارسات السابقة والانتهاكات الأمنية، لتكون مرجعًا تعليميًا وتحذيريًا للأجيال القادمة.
  • يُعتمد مبدأ “رخصة السلوك الأمني”، تُجدد كل عام، ويُقيّم من خلالها أداء العناصر الأمنية من قبل المجتمع المحلي.
  • تُخصَّص جوائز ومكافآت لأجهزة الأمن التي تُظهر التزامًا مميزًا بالقانون، وحماية الحقوق، واحترام المواطنين.

خاتمة الفصل
في سوريا الجديدة، لا أمن بلا سيادة، ولا سيادة بلا قانون، ولا قانون بلا إنسان.
فالمؤسسة الأمنية لا تُبنى لتخويف المجتمع، بل لحمايته، ولا تُفعَّل لتثبيت حكم، بل لضمان استقرار مشترك.

ولهذا، فإن ما يُرسم هنا من هيكل وضوابط ليس مؤقتًا فقط، بل هو حجر الأساس لبناء ثقافة أمنية جديدة، تُنهي عهد الرعب، وتبدأ عهد الأمان الواعي، حيث يكون الأمن خادمًا للحرية لا خصمًا لها.