القسم السادس عشر – الباب الرابع
الفصل الحادي والعشرون السياسة الخارجية للدولة
من الانحياز إلى التوازن
مقدمة الفصل
في تاريخ سوريا الحديث، لم تكن السياسة الخارجية يومًا معبّرة عن الإرادة الشعبية. بل استُخدمت كأداة سلطة، ووسيلة مساومة، وساحة نفوذ إقليمي ودولي، تارةً باسم “الممانعة”، وتارةً باسم “التحالفات الاستراتيجية”، دون اعتبار للسيادة الوطنية أو مصالح الشعب السوري.
وفي الدولة النهضوية الجديدة، تُعاد صياغة السياسة الخارجية من الصفر، لا بإعادة التموضع داخل محاور قائمة، بل بإنتاج مقاربة سيادية أخلاقية واقعية، تجعل من سوريا فاعلًا مستقلًا، لا تابعًا ولا منبوذًا، وتُعيد للعلاقات الدولية معناها الحقيقي: الشراكة، لا التبعية.
أولًا: مبادئ السياسة الخارجية السورية الجديدة
- الحياد الإيجابي كخيار استراتيجي دائم
– تلتزم الدولة بعدم الدخول في تحالفات عسكرية أو صراعات إقليمية لا تخدم المصالح الوطنية المباشرة.
– ترفض استخدام الأرض السورية من أي طرف لاستهداف دول أخرى، وتطالب بالمثل من جيرانها.
– تساهم في مبادرات السلام والوساطات الإقليمية كطرف مستقل لا كأداة لأي محور. - السيادة المتبادلة كأصل في العلاقات الدولية
– لا تُبنى العلاقات على حجم الدولة، بل على احترام سيادتها.
– كل علاقة دولية تُقيَّم على قاعدة: هل تحترم سيادتنا؟ هل تخدم مصالحنا؟
– يُعاد تقييم الاتفاقيات السابقة مع القوى الكبرى ضمن لجنة سيادية قانونية مستقلة. - الوضوح الأخلاقي والمصلحي
– لا تمييز بين الشرق والغرب، ولا بين الدين والعلمانية، بل فقط بين من يعترف بنا ومن يحاول احتواءنا.
– السياسة الخارجية تنطلق من المبادئ، لكنها تُدار بمنطق المصالح المشتركة لا الانفعال العقائدي.
ثانيًا: إعادة هيكلة العمل الدبلوماسي ومأسسة القرار الخارجي
- إحداث وزارة سيادة خارجية بدل “وزارة خارجية تقليدية“
– يكون اسمها الرسمي: وزارة السيادة الخارجية والتمثيل الدولي.
– تخضع لرقابة ثلاثية: مجلس السيادة الوطني، المفوضية الدستورية العليا، وهيئة الرقابة الشعبية.
– يُحظَر على أي مسؤول خارجي إبرام اتفاقات دون مصادقة سيادية جماعية. - توزيع التمثيل الخارجي على قاعدة التوازن الجغرافي والسياسي
– يُراعى في التعيينات الدبلوماسية تمثيل جميع المناطق والمكونات السورية، لمنع احتكار المركز.
– يُشترط على كل ممثل خارجي اجتياز برنامج تدريبي في “معهد النهضة للسياسة الخارجية”، قبل تسلّمه لمهامه. - إعادة تعريف العمل القنصلي والإعلامي بالخارج
– القنصليات ليست أدوات مراقبة للجاليات، بل فضاءات حماية وخدمة ودمج سياسي.
– تُنشأ مكاتب إعلام سيادي مرتبطة بالسفارات، تكون مهمتها الدفاع عن الرواية الوطنية، والتصدي للدعاية المضادة.
ثالثًا: خريطة التحالفات والانفتاح وفق الميثاق
- أولوية الانفتاح على الدول ذات الموقف الإيجابي من الانتقال السياسي في سوريا
– البدء بالتحالفات المبنية على احترام الميثاق، والداعمة لمبادئ الحكم الرشيد، وحقوق الإنسان، والسيادة. - تفعيل التحالفات الوظيفية بدل التحالفات الإيديولوجية
– شراكات في الأمن الغذائي، الطاقة، الحوكمة، البيئة، والتكنولوجيا، بدلًا من الولاءات العسكرية أو العقائدية. - إطلاق مبادرة “التعاون السيادي لدول ما بعد الاستبداد“
– تجمع دولًا انتقلت من الطغيان إلى الحرية، لتبادل الخبرات، والدعم الدبلوماسي، والدفاع المشترك عن التحولات السلمية عالميًا.
رابعًا: أدوات تنفيذ السياسة الخارجية الجديدة
- العقيدة الدبلوماسية الموحدة
– وثيقة مرجعية علنية تُلزم كل مسؤول دبلوماسي بمبادئ الدولة ومحددات سيادتها.
– تُراجَع سنويًا ضمن مؤتمر السياسة الخارجية المفتوح، وتُحدَّث حسب المستجدات دون المساس بجوهرها. - تأسيس المجلس الوطني للشؤون الخارجية
– هيئة مستقلة تضم ممثلين عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، وجامعيين، وممثلين عن الجاليات.
– تجتمع فصليًا لمراقبة أداء العلاقات الخارجية، وتقديم المشورة الاستراتيجية. - تفعيل الذراع الإعلامية الدبلوماسية
– إنتاج محتوى سيادي رسمي بـ 5 لغات على الأقل، يشرح التحول السوري، ويُعرّف الدولة الجديدة، ويوثّق انتهاكات النظام السابق ومشاريع البناء المستقبلية.
- العمل على الاعتراف التراكمي–الوظيفي
– كسب “شرعية الاعتراف بالتمثيل”، ثم “شرعية الاتفاقيات”، ثم “شرعية العضوية الدولية”، وصولًا إلى الاعتراف الكامل.
خاتمة الفصل
السياسة الخارجية في الدولة الجديدة ليست امتدادًا لعقيدة الاستبداد،
بل إعادة تأسيس للمكانة السورية في العالم على قاعدة:
“الكرامة لا تُستورد، والسيادة لا تُمنح، والاعتراف يُنتزع لا يُرجى.”
ومن هنا، يبدأ خطابنا للعالم:
لسنا حلفاء أحد ضد أحد،
لكننا لا نقبل أن نكون ساحة لأحد.
نحمي مصالحنا كما نحمي أرضنا،
ونمدّ اليد لا لنُصافح من يُهيمن، بل من يحترم.
والدبلوماسية التي لا تصون السيادة ليست سياسة، بل تفريط ملوّن بلغةٍ ناعمة.