نزع الطابع الميليشياوي عن الدولة
مقدمة تحليلية:
حين تنكسر الدولة، تظهر الميليشيا.
وحين تضعف المؤسسات، يملأ الفراغ السلاح.
وحين تغيب الشرعية، تُستبدل بـ”شرعية القوة” و”الهيمنة الميدانية”.
في سوريا، لم تكن الميليشيا ظاهرة طارئة على هامش الدولة، بل أصبحت جزءًا من بنيتها، وشريكًا في حكمها، وفاعلًا في قرارها السيادي، سواء في عهد النظام أو في بعض مناطق المعارضة.
وحين تتغوّل الميليشيات، يُختطف القرار الوطني، وتُجزّأ السيادة، ويصبح العنف أداة تفاوض، لا استثناءً.
لهذا، فإن تفكيك الطابع الميليشياوي عن الدولة هو شرط نهضوي لا مساومة عليه، وركيزة أساسية لعودة الدولة إلى معناها، والمجتمع إلى أمانه.
أولًا: الميليشيا كنقيض للدولة
الميليشيا ليست فقط جماعة مسلحة، بل هي:
- سلطة فوق القانون،
- طائفة داخل الوطن،
- اقتصاد بديل وفاسد،
- خطاب يشرعن العنف،
- وسلطة تمثيلية مزوّرة مفروضة بقوة السلاح.
وحين تتحوّل الميليشيا إلى طرف سياسي أو أمني أو إداري، تسقط الدولة من داخلها، ويتحوّل الحكم إلى صراع نفوذ لا مؤسسات.
ثانيًا: جذور الميليشيا في السياق السوري
- في عهد النظام:
-
- شكّلت الأجهزة الأمنية ميليشيات رديفة (كالشبيحة) لتعويض ضعف المؤسسات ولضرب خصومها دون مساءلة.
- ثم سمح النظام لقوى طائفية (كفصائل حزب الله، ولواء أبو الفضل العباس) بالتموضع كمليشيات “سيادية”.
- في مناطق المعارضة:
-
- نشأت عشرات المجموعات المسلحة على أساس الغلبة لا التمثيل، وعلى الولاء للجهة الداعمة لا للناس.
- تحولت بعض الفصائل إلى أمراء حرب، يُصادرون القرار، ويتاجرون بالثورة، ويخلقون مراكز قوة بديلة عن الشعب.
- في مناطق الإدارة الذاتية:
-
- هيمنت قوى عسكرية حزبية لا تخضع لرقابة وطنية، وتحولت إلى أجهزة أمن موازية، تدير وتمثّل وتفرض.
ثالثًا: نتائج الطابع الميليشياوي
- تآكل السيادة الوطنية وتعدّد مصادر القرار.
- تشظّي السلطة المركزية إلى ولاءات متنازعة.
- قوننة الفساد والنهب والجباية تحت مسمى “التحرير” أو “المقاومة” أو “الحماية“.
- انعدام ثقة الناس بمؤسسات الدولة، واستبدال القانون بـ”كلمة القائد الميداني“.
- فشل أي مشروع إصلاح أو تمثيل حقيقي، في ظل حضور السلاح خارج الشرعية.
رابعًا: استراتيجية تفكيك الطابع الميليشياوي
لكي تستعيد الدولة طابعها المدني–المؤسسي، لا بد من خطة جذرية تقوم على:
- حصر السلاح بيد مؤسسات الدولة الشرعية فقط.
- حلّ جميع التشكيلات المسلحة الخارجة عن نطاق الجيش الوطني الموحّد أو الأجهزة الأمنية الرسمية.
- إدماج الأفراد لا البُنى: أي إدخال المقاتلين المنضبطين ضمن مسارات مهنية، بعد التدقيق الأمني والتأهيل.
- منع التمويل الخارجي، وفرض رقابة صارمة على مصادر الدعم.
- إخضاع أي مؤسسة تحمل طابعًا أمنيًا أو عسكريًا للمساءلة والمحاسبة.
- تفكيك اقتصاديات الميليشيا (التهريب، التهريب النفطي، الجباية، الاحتكار…) واستبدالها باقتصاد وطني خاضع للقانون.
خامسًا: تحديات التنفيذ
- التغلغل الاجتماعي لبعض الميليشيات.
- ارتباطها الإقليمي وارتباط مصالحها باللاعبين الخارجيين.
- خوف بعض المجتمعات من الفراغ الأمني في حال تفكيك هذه القوى.
- تردّد القوى الدولية في الضغط لحلها، إذا كانت تخدم مصالحها.
لكن رغم ذلك، فإن مشروع النهضة يرفض التسويات الهشة التي تُبقي على “ميليشيا بوجه الدولة”، ويؤمن أن:
الدولة لا تُبنى بسلاح الفصائل، ولا بثنائية المؤسسات، ولا بشرعيات الأمر الواقع.
الخاتمة:
الميليشيا هي نقيض الدولة.
وما لم تُنتزع شرعية السلاح من خارج المؤسسات، لن تُبنى دولة، ولن تُحترم سيادة، ولن يُؤمن المواطن من أن يُؤذى بلا محاسبة.
لهذا، فإن نزع الطابع الميليشياوي عن سوريا الجديدة ليس خيارًا، بل شرطٌ للنهضة، وللسلم الأهلي، وللمواطنة المتساوية.