web analytics

العدالة المجتمعية في مشروع النهضة

من الامتياز إلى المساواة الحقيقية

مدخل فلسفي–اجتماعي العدالة ليست قانونًا مكتوبًا، ولا نصًا دستوريًا محايدًا، ولا شعارًا يُكرَّر في الخطب الرسمية. إنها جوهر الاجتماع البشري، وركيزة الشعور بالانتماء، وقاعدة العقد بين الفرد والدولة. وفي سوريا، لم تكن العدالة غائبة فقط… بل كانت ممنوعة. لم تكن مجرد مشكلة في القضاء، بل كانت اختلالًا بنيويًا في توزيع الفرص، والتمثيل، والاعتراف، والموارد. حُرِم البعض من حقه لأنه من طائفةٍ ما، أو من منطقةٍ ما، أو لأن له رأيًا لا يوافق “الصوت الأعلى”. ولذلك، لا يمكن لأي مشروع نهضة أن يُبنى دون عدالة مجتمعية شاملة… عدالة لا تساوي بين الظالم والمظلوم، بل تعيد التوازن الأخلاقي إلى الحياة العامة. أولًا: منطق اللاعدالة – كيف تَكرّست الامتيازات في الدولة السورية؟ من خلال ما فصّلناه في القسم الأول، نجد أن اللاعدالة في سوريا تكرّست عبر مسارات متداخلة:

  • الولاء السياسي كشرط للحصول على الوظائف أو البعثات.
  • الطائفة والانتماء الإثني كمعيار خفي للترقي الإداري أو الحماية الأمنية.
  • المنطقة: حيث تم تهميش مناطق بأكملها تنمويًا وخدماتيًا.
  • النوع الاجتماعي: تراجعت المرأة أمام بنية ذكورية محميّة بقانون هش وثقافة سلطوية.
  • الطبقـة الاجتماعية: صار التعليم الجيد، والرعاية الصحية، والعمل اللائق… امتيازًا لا حقًا.
  • اللاجئون والنازحون: سُلبوا الاعتراف القانوني، وتم عزلهم عن الحماية المجتمعية.
  • ذوو الإعاقة: غُيّبوا عن كل سياسات الدولة، وكأن وجودهم ثانوي.

كل هذه الوجوه للظلم لم تكن حوادث، بل كانت منظومة لاعدالة، أُنتجت بفعل وعي سلطوي يرى في المساواة خطرًا… وفي التعدد تهديدًا… وفي الإنصاف انهيارًا لمركز القوة. ثانيًا: العدالة المجتمعية – من الفكرة إلى المبدأ في فلسفة النهضة، لا تُفهم العدالة بوصفها “حيادية شكلية أمام القانون”، بل بوصفها مبدأ تصحيحي–تأسيسي: العدالة هي أن يحصل كل فرد، وكل جماعة، على فرص متساوية في الحياة، بما يُراعي خصوصياتهم، ويُعالج الفوارق التاريخية، ويُعيد توزيع الاعتراف والتمثيل والموارد بما يُعيد إنتاج الوطن كمكانٍ عادل، لا كغنيمة. ثالثًا: ملامح العدالة المجتمعية النهضوية – ليست مساواة رقمية، بل إنصاف تاريخي

العدالة المجتمعية في مشروع النهضة:

  1. العدالة الجغرافية:
    • تنمية متساوية لكل المحافظات والمناطق.
    • إعادة الاعتبار للمناطق المهمشة (مثل حوران، الجزيرة، الساحل الريفي).
  2. العدالة الإثنية والطائفية:
    • ضمان التمثيل السياسي المتوازن لكل المكونات،
    • الاعتراف الدستوري بلغاتهم وهوياتهم،
    • رفض الإقصاء الرمزي أو الفعلي.
  3. عدالة النوع الاجتماعي (الجندرية):
    • تمكين حقيقي للنساء في الحياة العامة.
    • حماية من العنف البنيوي والمؤسساتي.
    • المساواة في الأجور، والحقوق، والمواقع القيادية.
  4. عدالة الفرص الاقتصادية:
    • إنهاء الريع السلطوي،
    • ضمان حدٍّ أدنى للكرامة الاقتصادية،
    • وتفكيك الامتيازات الطبقية المرتبطة بالسلطة.
  5. عدالة التعليم والصحة والخدمات:
    • التعليم الجيد حق للجميع،
    • الصحة العامة خدمة لا سلعة،
    • البنى التحتية تُوزع بعدالة.
  6. عدالة الاعتراف والمشاركة السياسية:
    • من يهمَّش في التمثيل… يُقصى من الوطن.
    • والمشاركة ليست فقط في الانتخابات، بل في صياغة السياسات.

 رابعًا: من السياسات الرمزية إلى السياسات التصحيحية نرفض في مشروعنا “الكوتا التجميلية”، ونرفض “التمثيل الرمزي” الذي لا يحمل قوة حقيقية. ولهذا نُقدّم مفهومًا للعدالة المجتمعية قائمًا على:

  • سياسات تصحيحية طويلة الأمد، تُعالج تراكم الإقصاء والتمييز.
  • آليات تشاركية، تُشرك الفئات المهمشة في تخطيط مستقبلها.
  • مراقبة مؤسساتية للعدالة، عبر مجالس وهيئات مستقلة تراقب توزيع الموارد والتمثيل.

خامسًا: خارطة طريق لبناء مجتمع العدالة

  1. صياغة دستور يُكرّس العدالة بوصفها ركيزة الدولة.
  2. تأسيس “هيئة وطنية للعدالة المجتمعية تراقب وتُقيم السياسات من هذا المنظور.
  3. قوانين خاصة لحماية الفئات الضعيفة وتمكينها فعليًا (لا فقط بلغة قانونية).
  4. نظام تمثيلي متوازن مناطقيًا وسكانيًا.
  5. موازنات عادلة تُوزّع بناء على الاحتياج لا على النفوذ.
  6. سياسات اجتماعية واقتصادية تُعيد إنتاج الإنصاف.

الخاتمة: العدالة ليست شعارًا… بل هي الوطن في مشروع النهضة، العدالة ليست بندًا ضمن السياسات، بل هي المعنى العميق لفكرة الوطن. لا ينهض مجتمعٌ لا يشعر فيه أبناؤه أنهم متساوون في الفرص، محترمون في اختلافهم، معترف بهم في المراكز… لا فقط في الهوامش. وطنٌ عادل، هو وطنٌ صالح للحياة. وحين تصبح العدالة لغة الدولة، تصبح الكرامة هي هوية الإنسان.

العدالة المجتمعية في مشروع النهضة