القسم الأول تشريح الانهيار
من لحظة الاستقلال إلى لحظة الانفجار
مدخل عام للقسم الأول:
قبل أن نرسم طريقًا للنهضة، علينا أن نُجيد تشريح الانهيار.
فالوعي لا يتولد من الرغبة، بل من الفهم،
والنهضة لا تنشأ على أنقاض مهجورة، بل على أنقاضٍ مفهومة،
ولهذا فإن هذا القسم لا يكتفي بوصف ما جرى في سوريا، بل يسعى إلى تفكيك البنية التي جعلت الانهيار ممكنًا، بل حتميًا.
منذ لحظة الاستقلال في منتصف القرن العشرين، دخلت سوريا في حلقة مفرغة من التعثر السياسي، والتشظي الاجتماعي، والجمود المؤسسي، والاستقطاب الإيديولوجي، وكل ذلك على خلفية هشاشة في البناء الوطني لم تُعالَج يومًا بصدق.
ثم جاءت الانقلابات، والتجاذبات الإقليمية، والانحيازيات الدولية، فزاد الأمر تفككًا.
وجاء البعث، فبدلًا من إصلاح ما سبق، أعاد إنتاج الدولة بصيغة أمنية–أيديولوجية مغلقة، ألغت المجتمع، واحتكرت الوطنية، ودمّرت الحيوية السياسية، وحوّلت المواطن إلى تابع.
أما حين استلم حافظ الأسد السلطة، فقد حُسم المسار.
دخلت البلاد في طور الدولة–الجهاز، حيث لا دولة إلا بما يخدم السلطة، ولا وطن إلا بما يعكس صورتها.
ومنذ ذلك الحين وحتى انفجار 2011، كانت سوريا تعيش تحت غطاء “الاستقرار”، فيما كانت تنهار من داخلها:
- في المؤسسات،
- في الإنسان،
- في التمثيل،
- في العدالة،
- وفي معنى الدولة نفسها.
هذا القسم إذًا، لا يرصد الوقائع بوصفها أحداثًا تاريخية فقط، بل يفككها كبُنى أنتجت حاضرًا مشلولًا، ويبحث فيها لا عن الذنب، بل عن الجذر.
لأننا إن لم نفهم كيف انهارت سوريا،
فلن نعرف كيف تُبنى من جديد.
ولأن الفهم وحده لا يكفي،
بل لا بد أن يتحوّل إلى وعيٍ نقدي،
يقودنا لا إلى تكرار التاريخ، بل إلى تجاوزه.
وهذا ما يسعى إليه هذا القسم: أن يجعل من الألم معرفة، ومن الفشل أرضيةً لفجر جديد.