القسم الثاني
القسم الثاني فلسفة النهضة السورية
من التشريح إلى البناء
مقدمة القسم
لم تكن الفصول السابقة مجرد تفكيك لأزمات الماضي،
ولا إعادة سردٍ لانهيارات الدولة،
بل كانت عملية تشريح دقيقة لبنية الاختناق السوري،
بحثنا فيها عن الجذور لا القشور،
عن البنية لا المظاهر،
وعن السؤال لا التبرير.
لقد كشفنا، بندًا بندًا،
كيف تراكبت حلقات الانحراف التاريخي والسياسي والمؤسسي،
وكيف جُرّدت الدولة من معناها،
والمجتمع من أدواته،
والفرد من كرامته،
حتى وصلنا إلى حاضرٍ لا يَنتج مستقبله، بل يُعاد تدويره تحت مسميات جديدة.
ولأننا لا نؤمن أن فهم الخراب يكفي،
ولا أن الرثاء يصنع البديل،
ننتقل الآن إلى القسم الثاني من هذا المشروع،
حيث يبدأ التأسيس لفلسفة النهضة السورية – نهضة لا تستورد نظرياتها، ولا تحاكي نماذج خارجة عن سياقها،
بل تُبنى من داخل الواقع… وبما هو ممكن فيه… لا بما يُتخيَّل فوقه.
أولاً: ما الذي نعنيه بـ”فلسفة النهضة السورية”؟
لسنا هنا بصدد مخطط إصلاحي، ولا شعارات سياسية،
بل نسعى إلى تأسيس فلسفة معرفية متكاملة،
تبدأ من الإنسان،
وتُعيد التفكير في الدولة،
وتبحث في وظيفة المجتمع،
وتُعيد ترتيب العلاقة بين السلطة، السيادة، والعدالة.
فلسفة النهضة لا تبدأ من موازنة مالية،
ولا من توزيع وزارات،
بل من السؤال الجوهري: “لماذا نحن هنا؟ وكيف لا نعود إلى ما كنّا عليه؟“
ثانياً: شروط التأسيس: من الوعي إلى الإرادة
لكي نؤسس لنهضة حقيقية، لا بد أن نمر عبر أربع بوابات رئيسية:
- الفهم: لا نهضة بدون وعي حقيقي بما نحن عليه، وبما كنا عليه، وبما يمكن أن نكونه.
- الاعتراف: لا نهضة بدون مواجهة الذات، الجماعية والفردية، بكل تناقضاتها وذنوبها وآلامها.
- التحرر: لا نهضة دون تحرير العقل من الإرث السلطوي، والتفكير من الخوف، والدين من التوظيف.
- الإرادة: لا قيمة لأي رؤية بدون فعل، ولا جدوى من أي تخطيط بدون عزيمة حقيقية لتجاوز المألوف.
ثالثاً: من الدولة الأمنية إلى الدولة الممكنة
لا ندعو هنا إلى مدينة فاضلة،
ولا نتخيّل سوريا السويد،
لكننا نؤمن أن نهضتنا تبدأ حين نكفّ عن تمجيد الخراب،
وحين نفهم أن البديل لا يُخلق من الخارج،
بل يُستولد من رمادنا – بشرط أن نُحسن النظر في هذا الرماد.
نهضتنا لا تقوم على تقليد نظم الآخرين،
بل على تفكيك عقدتنا السورية،
وتأسيس نموذج مختلف،
يبدأ من “الدولة الممكنة“،
التي تعرف حدودها، وتُعيد تعريف وظائفها، وتقبل بمواطنيها كما هم لا كما يُراد لهم.
رابعاً: خارطة القسم الثاني – البناء على ما تم لا القفز فوقه
سيتكوّن هذا القسم من مجموعة فصول تأسيسية،
كل منها يُبنى على ما سبق،
ويضع حجرًا في جدار مشروع متكامل لا يقوم على الأمنيات،
بل على:
- الإمكانيات الذاتية،
- التحليل العميق،
- والرؤية الفلسفية–العملية.
وسنتناول فيه محاور متعددة:
- تعريف فلسفي شامل للنهضة كما نراها.
- سؤال الإنسان السوري: هويته، حقوقه، أزمته، وكيف يُستعاد.
- العلاقة بين الدولة والمجتمع، والسلطة والمعنى.
- بناء منظومة العدالة، والاقتصاد، والإدارة، والتعليم، والانتماء.
- ومن ثم، وضع إطار معرفي للمسار الدستوري والسياسي الذي يضمن ألا نعيد إنتاج الاستبداد مجددًا.
خاتمة المقدمة:
نحن لا نكتب هنا وثيقة حُكم،
بل ندشّن مسارًا فكريًا معرفيًا–فلسفيًا،
يريد أن يعيد للسوريين قدرتهم على الفهم،
وعلى النقد،
وعلى الحلم الواقعي،
وعلى صناعة مصيرٍ لا يُفرض من فوق،
ولا يُستورد من الخارج،
ولا يُختزل في فرد أو حزب أو طائفة أو مؤسسة.
إنها فلسفة النهضة السورية،
بصوت كل من كُتم،
وبرؤية كل من أُقصي،
وبإرادة كل من يؤمن أن هذا الوطن يستحق الحياة… إذا قرر أن يفهمها أولًا.