web analytics

خاتمة القسم الثاني من الفكرة إلى الانبثاق

الوعي إذ يتحوّل إلى بناء

لم يكن ما مضى من فصول هذا القسم سردًا لرؤى نظرية،
ولا جردًا لمفاهيم جميلة تُحاكي المستحيل،
بل كان فعلًا فلسفيًا مركّبًا،
يبحث عن الشكل الممكن للحلم،
وعن الطريق المضيء في نفقٍ طال ظلامه.

لقد وقفنا على عتبات الإنسان،
ثم فتحنا أبواب الدولة،
وتلمّسنا مفاصل المجتمع،
ونزعنا القداسة عن مفاهيم كثيرة أُشبعت استخدامًا حتى فُرّغت من معناها:
الهوية، العدالة، السيادة، القانون، الثقافة، الإعلام، الدستور…

ثم أعدنا بناءها لا من فوق،
ولا من نسخ الآخرين،
بل من لُبّ الواقع، ومن جراحه، ومن أسئلته التي لم تُجب بعد.

في هذا القسم،
لم نرسم أحلامًا معلّقة في السماء،
بل أسّسنا لما يمكن أن يُبنى،
وما ينبغي أن يُصاغ،
حين يعود الإنسان إلى مكانه الطبيعي:
فاعلًا، لا مفعولًا به.
حرًّا، لا مُقادًا.
صانعًا للمعنى، لا عابرًا في حياة لا تُشبهه.

وهكذا،
تحوّلت الفلسفة من ترفٍ إلى أداة،
ومن تأملٍ إلى مسار،
ومن سؤالٍ إلى مشروع.

لكن هذا لا يكفي.

فالفكرة لا تكتمل حتى تخرج من عقول أصحابها إلى أيدي الناس.
والنهضة لا تولد من المفهوم،
بل من الممارسة،
من البُنى،
من المؤسسات،
من السياسات،
من التربية،
من الاقتصاد،
من العدالة التي تُمارَس… لا فقط تُكتَب.

ولهذا،
يأتي القسم الثالث:
حيث تبدأ الهندسة الفعلية لبناء الدولة النهضوية.

دولة لا تكتفي بأن تكون ممكنة،
بل تكون حقيقية، قائمة، متجذّرة…
تبدأ من إرادة شعب،
وتُبنى على عقدٍ لا يُملى بل يُصاغ مشتركًا،
وتنهض بأدوات الناس، لا بهيمنة النخب،
وتُحاكم الماضي لا لتنتقم، بل لتمنع تكراره،
وتشقّ طريقها نحو المستقبل، لا كي تشبه غيرها، بل كي تكون نفسها.

في القسم الثالث،
لن نُحلّق فوق الأرض،
بل سنخوض في تفاصيلها،
في التشريع، في السياسة، في الاقتصاد، في التربية، في الإعلام، في الإدارة،
في البُنى المؤسسية التي وحدها يمكن أن تحمي الفكرة من الانهيار.

فالنهضة ليست لحظة وعي،
بل سلسلة أفعال تتجسّد في مؤسسات،
وفي علاقات جديدة،
وفي عقل جديد،
وفي دولة تعكس الإنسان الذي حلمنا به… لا تُعيد إنتاج من نفيناه.

 

 

Html code here! Replace this with any non empty raw html code and that's it.