web analytics
القسم الثاني – الباب الأول

الفصل الأول فلسفة الإنسان في مشروع النهضة

من الرعايا إلى المواطن السيادي

تعريف فلسفي مركّب لمفهوم الإنسان السيادي:

الإنسان السيادي هو ذاك الذي لا يُعرّف من موقعه داخل السلطة، ولا من انتمائه الديني أو الإثني أو الجغرافي،
بل من حريته الواعية، ومن قدرته على المشاركة الفعلية في إنتاج المعنى، وبناء العقد، وصياغة المصير.
هو كائن مستقل، لا تابع، صانع لا مفعول به، لا يُعاد بناء الدولة إلّا من خلاله، ولا تُستعاد السيادة إلا حين تُستعاد حريته.

وفي مشروع النهضة السورية، لا نبدأ من الدولة لننتهي بالإنسان،
بل نبدأ من الإنسان ليُعاد ابتكار الدولة.
فهو ليس مجرد فرد ضمن قطيع، ولا مواطن على الورق،
بل هو اللبنة التي تُبنى عليها الجمهورية الجديدة،
كحامل للحق، ومُنتج للشرعية، ومصدر لكل قيمة عليا.

مدخل تحليلي

في صميم كل انهيار سوري،
وفي جذر كل مأساة سياسية أو قانونية أو اجتماعية،
يظهر أثر الغياب الكامل للإنسان بوصفه قيمة مركزية ومصدرًا للحق.

لم يكن الإنسان غائبًا فقط بوصفه مواطنًا،
بل غائبًا بوصفه فكرة، وغاية، وسؤالًا.

الأنظمة التي تعاقبت على سوريا لم تكن تعادي الإنسان فحسب،
بل أُسِّست على نفيه، وتشييئه، وتحويله إلى أداة وظيفية في خدمة السلطة.
فكان خاضعًا لا حرًّا، متلقّيًا لا فاعلًا، مفعولًا به لا مشاركًا في قراره ووجوده.

وبذلك، لم تكن المسألة مجرد استبداد، بل منظومة فلسفية كاملة لنفي الإنسان.
وهذا النفي، هو ما نبدأ بنقضه، ونقضُه هو أصل مشروعنا النهضوي.

من الرعوية إلى التشييء: الإنسان كأداة لا كغاية

حين ننظر إلى الإنسان في المنظومة السورية كما شُرِّحت في القسم الأول،
نراه وقد تماهى مع حال من الرعوية العنيفة، حيث:

  • يُطلب منه الولاء، لا الوعي.
  • يُراد له أن يطيع، لا أن يشارك.
  • يُنظَر إليه كأمن خطر، لا كشريك في السيادة.
  • يُستثمر فيه كقوة عمل صامتة، لا كذات فاعلة.

في الإعلام، في الأمن، في الاقتصاد، في الحزب، في الدين، في القانون…
تكرّس شكل واحد للوجود: الإنسان المُشيّأ، المُراقب، المُنقوص،
الذي يُسلب منه صوته، وتُفرض عليه صورة “المواطن الصالح” المقطوع من حقيقته.

لم يُعامل الإنسان السوري بوصفه قيمة عليا،
بل كحامل محتمل للفوضى إن لم يُضبط،
كأداة تعبئة في الحرب،
كمستهلك صامت في الاقتصاد،
وكوسيط تمثيلي في الطائفة أو الحزب أو الطاعة الدينية.

في مواجهة النفي – الإنسان هو نقطة البدء

ما نقوم به هنا لا يُشبه “إصلاحًا فوقيًا” يُرمم النظام.
بل هو انقلاب فلسفي جذري على بنية الفهم السائدة للإنسان.

نحن لا نمنح الإنسان مكانة رمزية، بل نجعله مركز المشروع.

فلسفة الإنسان السيادي تنطلق من:

  • أن الحرية سابقة على الدولة، لا ممنوحة منها.
  • أن السيادة تبدأ من وعي الذات، لا من قرار السلطة.
  • أن الإنسان لا يتشكّل من طائفته أو عقيدته أو وظيفته،
    بل من قدرته على الفعل المستقل، وعلى أن يكون مسؤولًا عن مصيره.

هذا الإنسان، حين يُستعاد، لا يُستعاد بوصفه ضحية فحسب،
بل كذات قادرة على التأسيس، على بناء نظام جديد،
تستمد شرعيته من التعاقد الحر، لا من القوة أو الميراث السياسي.

الإنسان السيادي – هوية، وحق، ومصدر للشرعية

في فلسفتنا للنهضة، لا نرى في الإنسان كائنًا بيولوجيًا يحتاج إلى الطعام والأمان فقط،
بل نراه مركزًا للشرعية، ومنبعًا لكل معنى سياسي أو أخلاقي.

الإنسان السيادي هو:

  • من يصوغ قراره، لا يُملى عليه.
  • من يُنتج القانون، لا يُسحق به.
  • من يشارك في صياغة العقد، لا يُدعى للتصفيق عليه.
  • من يحاسب، لا يُعاقب فقط.
  • من يرى في نفسه صاحبًا للمكان، لا مجرد ساكن في ظل السلطة.

وفي دولةٍ يكون فيها الإنسان كذلك،
لا يمكن أن تقوم دكتاتورية،
ولا يُمكن أن يُنتَج نظام يستمد وجوده من فوق الإنسان لا منه. 

خاتمة – الإنسان هو الوطن

ليس الإنسان في هذا المشروع عنصرًا ضمن المعادلة،
بل هو المعادلة ذاتها.

فالتحوّل يبدأ من استعادة الإنسان،
لا من تغيير الوجوه أو النخب أو النُظُم،
لأن كل تغيير فوق الإنسان هو مجرد إعادة توزيع للسيطرة.

وإذا كانت سوريا قد سُلبت لعقود،
فإن ذلك لم يكن إلا لأن الإنسان سُلب أولًا.
وإذا كانت تنهض اليوم، فلن تنهض إلا حين يعود الإنسان إلى مركز الحكاية.

الإنسان السيادي هو الجذر،
وهو السقف،
وهو الغاية،
وهو بداية كل مشروع… ونهايته.