القسم الثاني – الباب الثاني
الفصل الثامن عشر الطاقة
من النهب إلى الاكتفاء والتحوّل الأخضر
مدخل فلسفي–سيادي:
الطاقة ليست مجرد مورد اقتصادي،
بل هي أحد أعمدة السيادة،
وأحد مفاتيح النهضة،
ومؤشّر مركزي على موقع الدولة من مستقبلها.
فحين تفتقر الأمة إلى السيطرة على مواردها،
وتُنهب ثرواتها،
وتُرتهن بنيتها التحتية للخارج،
فلا حديث عن الاستقلال،
ولا عن التنمية،
ولا عن النهضة.
وفي سوريا، كانت الطاقة دائمًا حاضرة في المعادلة… لكن بوصفها غنيمة:
- غنيمة حرب،
- غنيمة سلطة،
- غنيمة نفوذ مناطقي أو ميليشياوي أو دولي.
ولذلك، فإننا لا ندرج الطاقة كملف خدماتي،
بل كقضية سيادة وعدالة واستدامة.
أولًا: الطاقة في سوريا – من الثروة إلى النهب
رغم امتلاك سوريا لمصادر متعددة للطاقة (النفط، الغاز، الطاقة الكهرومائية، والطاقة الشمسية الممكنة)،
إلا أن النتيجة كانت كارثية:
- سيطرة الدولة الأمنية على قطاع الطاقة منذ خمسينيات القرن الماضي، وتحويله إلى مصدر تمويل للولاء السياسي لا للتنمية.
- خصخصة خفية للثروة عبر شبكات النظام وشركاته الوهمية
- منذ عام 2011، تفككت سيطرة الدولة، لكن لم تُستعد السيادة:
-
- الشمال الشرقي خضع لسيطرة “قسد” بدعم أمريكي.
- الجنوب الشرقي خضع لروسيا بعقود طويلة الأمد لا تعلن تفاصيلها.
- الحقول المتبقية نُهبت بشكل عشوائي من قبل فصائل أو ميليشيات، بينما يعيش الشعب بلا كهرباء أو تدفئة.
وهكذا، تحوّلت الطاقة من حق عام إلى مجال مفتوح للنهب والاستغلال.
ثانيًا: الطاقة كمؤشّر للعدالة والسيادة
لا يُقاس التقدّم في مجال الطاقة فقط بعدد المولدات أو كميات الإنتاج،
بل يُقاس بـ:
- من يملك القرار؟
- من يملك التوزيع؟
- من يملك الأرباح؟
- ومن يحظى بالوصول العادل إليها؟
ولذلك، فإن أي مشروع نهضوي لا يمكن أن يتجاهل هذه الأسئلة، ولا أن يكتفي بـ”تحسين الخدمات”.
بل يجب أن يُعيد صياغة فلسفة الطاقة بوصفها:
- حقًا جماعيًا لا امتيازًا طبقيًا.
- أداة تحرير اقتصادي، لا وسيلة لإدامة التبعية.
- رافعة سيادية، لا مجالًا للابتزاز السياسي أو الميليشياوي.
- منصة للعدالة البيئية والاجتماعية، لا مصدرًا للتمييز المناطقي أو الطائفي.
ثالثًا: استراتيجيات التحوّل في فلسفة الطاقة
بناء منظومة طاقة جديدة في سوريا لا يبدأ من “ترميم” النظام القديم،
بل من إعادة التأسيس:
- استعادة السيادة على الموارد:
- إنهاء العقود التي وُقّعت في ظل الاحتلال الروسي أو التواطؤ الإيراني أو السيطرة الأمريكية.
- فرض مبدأ “السيادة فوق كل صفقة”، ومراجعة شاملة لكل عقود الطاقة.
- منع خصخصة الثروات العامة تحت أي غطاء، واعتبار الطاقة ملكًا شعبيًا–دستوريًا.
- الانتقال من الاستهلاك الريعي إلى الإنتاج الوطني:
- بناء شركات وطنية للطاقة بإدارة مستقلة، خاضعة للرقابة الشعبية لا الحزبية.
- دعم البحث العلمي في مجالات الطاقة المتجددة، خصوصًا الشمسية والريحية.
- ربط الجامعات بقطاعات الطاقة لخلق كفاءات محلية تضمن الاكتفاء الذاتي.
- عدالة التوزيع:
- إنهاء التفاوت الصارخ بين المدن والريف، بين الفقراء والأغنياء.
- إعادة تصميم شبكة الكهرباء والمشتقات لتصل إلى أبعد نقطة في الخريطة السورية.
- مكافحة الفساد في شبكات التوزيع والسرقة والسمسرة.
- 4. تحقيق الاستدامة والتحوّل الأخضر:
- سنّ تشريعات تُشجع على الطاقة البديلة في المنازل والمؤسسات.
- دعم الصناعات التي تقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
- حماية البيئة من التلوث الناتج عن الحرق البدائي للوقود، أو النفايات النفطية.
رابعًا: الطاقة كمكوّن من مكونات العدالة الاجتماعية
في سوريا ما قبل الثورة، لم يكن هناك “تسعيرة” للطاقة بقدر ما كانت هناك “تسعيرة للولاء”.
- كانت الامتيازات مرتبطة بالولاء للنظام.
- واليوم، بالولاء للميليشيا أو الفصيل أو المحور.
وفي الحالتين، يُحرَم الفقير والبعيد والحرّ من حقّه،
ويُكافأ المتورّط في منظومات النهب.
ولذلك، نرى أن الطاقة يجب أن تكون أداة لتحرير الإنسان، لا إخضاعه.
وأن الوصول العادل للطاقة هو جزء من الكرامة الوطنية، لا مسألة فنية محضة.
خامسًا: من فلسفة الاستهلاك إلى فلسفة السيادة الطاقية
في مشروع النهضة، الطاقة ليست فقط “قطاعًا”،
بل هي مرآة لمفهومنا عن:
- السيادة،
- العدالة،
- الاستدامة،
- والمستقبل.
ولذلك، فإننا نقترح:
- أن يُدرج الحق في الطاقة ضمن الدستور بوصفه حقًا أساسيًا.
- أن تُنشأ هيئة وطنية مستقلة للطاقة تشرف على الموارد، الشفافية، والتوزيع.
- أن تتحول سوريا إلى مختبر حقيقي للتحوّل الأخضر في الشرق الأوسط، بدءًا من الطاقة الشمسية.
- أن تُصمم سياسة خارجية تضمن عدم رهن الثروات، ولا التحالفات المشروطة بالطاقة.
خاتمة الفصل وخاتمة الباب الثاني:
لا يمكن لسوريا أن تنهض وهي تعيش في الظلام،
ولا يمكن للكرامة أن تُبنى في بلد يُجبر أطفاله على تدفئة أيديهم بالنار المشتعلة من القمامة.
الطاقة ليست رفاهًا،
بل هي جوهر القدرة على الحياة،
وعلى العمل،
وعلى الاستقلال.
ولذلك، فإن استعادة السيادة الطاقية ليست فصلًا اقتصاديًا،
بل هي فصل من كتاب الكرامة الوطنية.
ومن هنا نبدأ…