القسم الثاني – الباب الرابع
الفصل السادس والعشرون القانون
من نصوص التسلط إلى منظومة الحقوق
مدخل فلسفي – تحليلي
القانون ليس مجرد مجموعة من النصوص،
ولا مجرد أدوات تنظيم،
بل هو في جوهره مرآة فلسفية للعدالة،
وتجسيد للعقد الأخلاقي بين الفرد والدولة.
وفي الأنظمة التسلطية،
يتحول القانون من ضمانة للحق إلى ذراع للسلطة،
ومن أداة عدل إلى وسيلة ضبط وخضوع،
فيفقد الإنسان ثقته بالنص… ويفقد النص روحه.
وفي سوريا، لم يكن القانون خاضعًا للسلطة فقط،
بل كان جزءًا من بنيتها،
صيغ ليحكم، لا ليحمي،
ليُرهب، لا ليُنظّم،
ليُخيف، لا ليُحرّر.
ولهذا، فإن مشروع النهضة لا يُمكن أن يُبنى دون إعادة اختراع القانون،
لا بوصفه أداة حكم… بل منظومة حقوق متكاملة،
تقوم على فلسفة الإنسان السيادي، لا على منطق الطغيان.
أولًا: القانون في التجربة السورية – من الحماية إلى الهيمنة
منذ عقود، وُلد القانون في سوريا مقيّدًا،
ثم تربّى داخل بيت الطاعة السلطوي.
- قانون الطوارئ: ألغى الضمانات والحريات لعقود.
- القوانين الاستثنائية: أسست للتمييز والانتقاء السياسي.
- المراسيم الرئاسية: حوّلت النصوص إلى نزوات فوقية.
- القضاء الإداري: صار جزءًا من آلة العقاب الجماعي.
- المحاكم الخاصة: (أمن الدولة – الإرهاب) مزّقت العدالة.
فأصبح القانون في الذهنية العامة ليس “حقًا”، بل “خطرًا”.
لا يُستدعى للدفاع، بل يُخشَى من حضوره.
ثانيًا: فلسفة القانون في مشروع النهضة – من مركز السلطة إلى مركز الإنسان
في مشروع النهضة، لا يُفهم القانون كـ”سلطة تنظيمية”،
بل كـمنظومة أخلاقية–سياسية–حقوقية تحقّق ثلاثة أبعاد:
- تحصين الإنسان من الغلبة
- تنظيم العلاقات على أساس المساواة لا الامتياز
- ضمان انضباط الدولة نفسها، لا فقط الشعب
القانون في مشروعنا:
- ليس ناتج قوة، بل قوة ناتجة عن التوافق.
- ليس أداة ردع، بل بيئة أمان.
- ليس ملك السلطة، بل حق المجتمع.
ثالثًا: ملامح القانون السيادي – لا تسلطي ولا فوضوي
القانون في الدولة النهضوية يجب أن يكون:
- واضحًا: لا غموض يُستغل، ولا مطاطية تُسيّس.
- مفصولًا عن الأهواء السياسية: لا يُعدّل حسب المرحلة أو مزاج السلطة.
- مُصاغًا بشكل تشاركي: من قِبل هيئة تمثيلية منتخبة، وبمشاركة مجتمعية واسعة.
- قابلًا للنقد والمراجعة: لا مقدّسًا ولا مؤلّهًا.
- ضامنًا للكرامة: لا خادمًا لمصالح ضيقة أو امتيازات متوارثة.
رابعًا: نحو بنية قانونية جديدة – من التفكيك إلى البناء
لكي نعيد للقانون روحه ووظيفته، لا بد من:
- إلغاء كل القوانين الاستثنائية فورًا
- دسترة مبدأ سمو الحقوق والحريات على كل النصوص
- تحويل التشريع إلى عملية تشاركية معرفية لا تقنية فقط
- ربط القوانين بمرجعيات فلسفية وإنسانية واضحة (الكرامة – العدالة – التعدد)
- إعادة صياغة قانون العقوبات بما يكرّس العقوبة كوسيلة للإصلاح لا للانتقام
- فصل المؤسسات التشريعية عن السلطة التنفيذية بشكل صارم
- إنشاء محكمة دستورية مستقلة تراقب توافق القوانين مع العقد الاجتماعي والحقوق العليا
خامسًا: من القانون كسوط… إلى القانون كعقد
إن التحوّل الجذري لا يكون حين يُكتب القانون بل حين يُحترم،
وحين يُرى كمكان للحق… لا كغرفة تعذيب معنوية.
في هذا السياق، يُعاد تعريف القانون في فلسفتنا بوصفه:
العقد الرمزي الأعلى للمجتمع،
الذي يُنظم التعدد، ويحمي الفرد، ويُقيّد السلطة، ويُعيد تعريف العلاقة بين الدولة والناس على أساس الإرادة لا الإكراه.
خاتمة الفصل: القانون كفكرة… لا كأداة
حين يصبح القانون هو صوت الناس،
ويُنتج من حوارهم،
ويُطبّق على الجميع،
ويُحمى لا يُخشى…
حينها فقط نستطيع القول إننا بدأنا بناء الدولة لا النظام،
والمجتمع لا القطيع،
والإنسان لا الرعية.
وفي مشروع النهضة السورية،
لن نكتب القانون… بل سنؤسّسه:
على الفهم،
والحق،
والمعنى.