web analytics
القسم الثالث – الباب الثاني

الفصل العاشر القيم السياسية العليا

الحرية، الكرامة، السيادة

مقدمة تأسيسية:

كل دولة تُبنى على قيمةٍ ما:
هناك دول تُبنى على القوة، وأخرى على الدين، وبعضها على السوق، وأخرى على العرق أو التاريخ.

لكن الدولة التي ننشدها في مشروع النهضة لا تُبنى على الخوف، ولا على المظلومية، ولا على المصالح المتبدّلة، بل على ثلاث قيم عليا لا يجوز التنازل عنها:

الحرية، الكرامة، السيادة.

هذه القيم ليست شعارات عاطفية، بل مرتكزات فلسفية وسياسية وتشريعية، تُشكّل البنية التحتية لأي عقد اجتماعي عادل، وتُؤسّس لشرعية الحكم، وشرعية القانون، وشرعية الانتماء.

أولًا: الحرية – القيمة المؤسسة للمواطنة

الحرية ليست منحة، بل حق جوهري سابق على الدولة.
وهي ليست مجرّد حرية رأي، بل منظومة متكاملة تشمل:

  1. الحرية السياسية: في التنظيم، والترشح، والتعبير، والمساءلة.
  2. الحرية المدنية: في المعتقد، والسكن، والحركة، والاختيار الشخصي.
  3. الحرية الفكرية: في البحث، والتعليم، والإعلام، والإنتاج المعرفي.

وقد تم اغتيال الحرية في سوريا عبر:

  • التأميم السياسي.
  • الحصار الإعلامي.
  • ثقافة الخوف.
  • وتحويل القانون إلى سيف فوق الرقاب.

وفي مشروع النهضة، لا معنى لأي تمثيل سياسي أو عقد اجتماعي دون حرية مكفولة ومرعية، تُقيَّد فقط بالقانون، لا بهواجس السلطة.

ثانيًا: الكرامة – القيمة المؤسسة للشرعية

كرامة الإنسان هي أساس شرعية الدولة.
فلا حكم يَحترم نفسه إن أهان مواطنيه، ولا دستور يستحق الولاء إن لم يُصن الإنسان من الذل.

وقد حوّل الاستبداد السوري الكرامة إلى جريمة:

  • بالتعذيب في السجون،
  • بالإذلال في المؤسسات،
  • بالتمييز في الحقوق،
  • وبالحط من قيمة الإنسان باسم الأمن أو الطاعة أو الوطنية الزائفة.

الكرامة في الدولة الجديدة تعني:

  • أن يُعامل المواطن كصاحب حق، لا كمتسوّل للخدمة.
  • أن تُحترم إنسانيته في القضاء، والشرطة، والدوائر الرسمية، والتعليم، والعمل.
  • أن لا يُهان أحد بسبب هويته أو فقره أو رأيه.

الكرامة ليست امتيازًا للنخبة، بل حق كل إنسان، ومؤشر يومي على صلاح الدولة أو فسادها.

ثالثًا: السيادة – القيمة المؤسسة للاستقلال والقرار

السيادة ليست فقط رفضًا للاحتلال، بل:

  • رفض للوصاية السياسية والمالية والإعلامية.
  • استقلال للقرار الوطني عن الإرادات الأجنبية.
  • امتلاك للموارد، وللأمن، وللسردية الوطنية.

سوريا اليوم سُلبت سيادتها من أطراف عديدة:

  • عبر احتلالات مباشرة،
  • ومناطق نفوذ،
  • ومشاريع تفكيك.
  • وعبر طبقة حاكمة فرّطت بالقرار لصالح استمرار سلطتها.

وفي مشروع النهضة، السيادة ليست شعارًا، بل:

  • مبدأ حاكم لكل سياسة داخلية وخارجية.
  • خط أحمر لا يُساوم عليه أحد باسم الأمن أو المصالح أو التحالفات.
  • وعنوان للكرامة الجمعية كما أن الكرامة هي السيادة الفردية.

رابعًا: تكامل القيم الثلاث في العقد النهضوي

هذه القيم الثلاث ليست متجاورة، بل متشابكة:

  • فلا حرية بلا كرامة، لأن المُهان لا يستطيع أن يكون حرًّا.
  • ولا كرامة بلا سيادة، لأن من لا يملك قراره لا يملك نفسه.
  • ولا سيادة بلا حرية، لأن الاستبداد الداخلي وجه آخر للاستعمار الخارجي.

ولهذا، يجب أن تكون هذه القيم:

  • في قلب الميثاق الوطني.
  • وفي مقدمة أي دستور جديد.
  • وفي ثقافة التعليم، والإعلام، والوظيفة العامة.
  • وفي وعي المواطن عن نفسه، ووطنه، ودولته.

خاتمة الباب الثاني:

بهذا الفصل، نكون قد وضعنا الأسس السياسية والفكرية والتمثيلية لعقد اجتماعي عادل، يتجاوز الخوف إلى الشراكة، والتفكك إلى المواطنة، والتشظي إلى السيادة الجامعة.

الحرية، الكرامة، السيادة… ليست شعارات ثورية، بل هي بنية الدولة الأخلاقية، والمبادئ التي تميز دولة الإنسان عن دولة الأجهزة.