web analytics
القسم الثالث – الباب الثالث

الفصل الثالث عشر الأمن المجتمعي والدفاع المحلي

مقدمة تأسيسية:

في دولة ما بعد الحرب، لا يمكن للأمن أن يُبنى من فوق، أو أن يُفرض بالقوة وحدها.

فحين تتفكك الروابط الوطنية، وتضعف الثقة بالمركز، وتتفشى الفوضى، يصبح الأمن الحقيقي هو ذلك الذي ينبع من المجتمع نفسه، ويعبّر عن حاجاته، ويشارك فيه المواطنون بوصفهم شركاء لا رعايا.

وهنا يُطرح مفهوم الأمن المجتمعي، كمنظومة تشاركية تهدف إلى بناء الثقة، وتحقيق الاستقرار، ومنع تغوّل القوة أو احتكارها.

وفي سوريا، حيث تناثرت مؤسسات الدولة، وانتشرت سلطات الأمر الواقع، وقُطّعت الجغرافيا السياسية، فإن العودة إلى المركز لا تعني العودة إلى القمع، بل تأسيس آليات أمنية محلية – وطنية – خاضعة للقانون، وتُبنى بالتعاون لا بالإملاء.

أولًا: تعريف الأمن المجتمعي

الأمن المجتمعي هو:

نموذج تشاركي للأمن، يدمج بين الدولة والمجتمع المحلي، ويهدف إلى حماية الأفراد من الجريمة والعنف والتهميش، عبر أدوات مدنية وقانونية ومحلية الطابع.

يختلف عن الأمن المركزي في أنه:

  • أقرب إلى الناس.
  • أكثر استجابة للواقع المحلي.
  • مبني على العلاقات الأفقية لا العمودية.
  • يسعى للوقاية أكثر من الردع.
  • يُراقب من داخل المجتمع، لا يُفرض عليه من خارجه.

ثانيًا: لماذا الأمن المجتمعي في سوريا؟

  1. لأن الدولة المركزية منهارة في بعض المناطق، ولا يمكن استعادتها دفعة واحدة.
  2. لأن الثقة بين المواطن والأمن الرسمي شبه معدومة، وتحتاج إلى إعادة بناء تدريجية.
  3. لأن المجتمعات المحلية تعرّضت لهشاشة شديدة، ويجب تمكينها لتكون جزءًا من الحل لا من المشكلة.
  4. لأن الميليشيات احتلت مكان الأمن، ويجب إخراجها عبر نموذج بديل مشروع.
  5. لأن سوريا بحاجة إلى أمن حقيقي لا صوري، مرن لا قمعي، توافقي لا غلبوي.

ثالثًا: مبادئ الأمن المجتمعي

لكي لا يتحوّل الأمن المجتمعي إلى سلطة محلية جديدة أو ميليشيا بغطاء قانوني، يجب أن يقوم على المبادئ التالية:

  1. الارتباط بالدولة لا الاستقلال عنها: الأمن المحلي جزء من المنظومة الوطنية، لا بديلاً عنها.
  2. الخضوع للقانون وليس للعُرف: لا يجوز تحويل المجالس المحلية أو الزعامات المجتمعية إلى محاكم موازية.
  3. المشاركة المدنية: عبر لجان أحياء، منظمات مجتمع مدني، وشراكة بين الشرطة والسكان.
  4. الحياد السياسي والطائفي: لا يجوز توظيف الأمن المحلي لخدمة أجندات حزبية أو مذهبية.
  5. التمثيل العادل للجميع: بما يضمن التنوع والعدالة وعدم التهميش.

رابعًا: الدفاع المحلي كجزء من منظومة وطنية

إلى جانب الأمن المجتمعي، يمكن تنظيم قوى دفاع محلي مشروعة، في مناطق حساسة أو مهددة، على أن تكون:

  • مدرّبة ومُنظّمة ومُلتحقة بوزارة الدفاع أو الداخلية.
  • تحت رقابة محلية ومركزية مزدوجة.
  • محددة المهام، بولايتها الدفاعية فقط.
  • مؤقتة لحين اكتمال إعادة بناء الأمن الرسمي.

والهدف منها حماية المجتمعات من الفراغ الأمني، ومن تغوّل الميليشيات، ومن الانهيار الذاتي.

خامسًا: معايير نجاح الأمن المجتمعي

  1. بناء الثقة بين المواطن والمؤسسة الأمنية.
  2. خفض معدلات الجريمة والتطرف والعنف.
  3. حلّ النزاعات بطرق سلمية ومؤسسية.
  4. تعزيز الانتماء المحلي ضمن الإطار الوطني.
  5. منع تحوّل السلطة الأمنية إلى سلطة تحكم خارج القانون.

خاتمة الفصل:

الأمن ليس جدارًا عازلًا، بل جسر ثقة.

والدولة التي تخنق مجتمعاتها باسم الأمن تفقد شرعيتها، بينما الدولة التي تُشرك الناس في حمايتهم، وتبني أمنًا نابعًا من ثقة وتعاون، تُرسي دعائم الاستقرار الحقيقي.

وفي سوريا الجديدة، لا يمكن لأحد أن يكون آمنًا إن لم يشعر الجميع بالأمان.
ولهذا، سيكون الأمن المجتمعي حجر الزاوية في استعادة التماسك الوطني، دون خوف، دون عسف، دون تسلّط.