القسم الثالث – الباب الرابع
الفصل السابع عشر إعادة الإعمار
كفرصة لبناء اقتصاد إنتاجي جديد
مقدمة تأطيرية:
حين تُذكَر “إعادة الإعمار” في السياق السوري، غالبًا ما يُفهم المصطلح على أنه ترميم للبيوت المهدّمة، أو جلبٌ للتمويل الدولي.
لكن الحقيقة أن إعادة الإعمار هي فعل سياسي–اقتصادي بامتياز، تُحدِّد نتائجه هوية الاقتصاد القادم:
هل سيكون إنتاجيًّا أم ريعيًّا؟
وطنيًّا أم مرتهنًا؟
عادلًا أم زبائنيًّا؟
موزّعًا على الجميع أم محصورًا في طبقة محددة؟
ولهذا، فإن مشروع النهضة لا يرى في إعادة الإعمار مجرد مرحلة تقنية، بل فرصة تاريخية لإعادة تأسيس النموذج الاقتصادي بالكامل على أسس جديدة.
أولًا: مخاطر مقاربة الإعمار بالعقلية القديمة
- إعادة إنتاج الفساد عبر منح المشاريع الكبرى لنفس الشبكات الموالية التي كانت جزءًا من الدمار.
- ربط الإعمار بالتطبيع السياسي مع الفاعلين الخارجيين، بدل ربطه بالإصلاح والعدالة.
- تهميش المجتمعات المتضررة، وتحويل الإعمار إلى عملية فوقية تُفرض من الخارج أو من المركز.
- ترك القرار الاقتصادي للممولين الدوليين أو الجهات المانحة، على حساب السيادة الوطنية.
- تثبيت التقسيم غير المُعلَن من خلال إعمار مناطق على حساب أخرى، وتعزيز منطق “مناطق النفوذ”.
ثانيًا: مبادئ الإعمار في الاقتصاد الإنتاجي
في مشروع النهضة، يُعاد تعريف الإعمار وفقًا للمبادئ التالية:
- الإعمار ليس بناء جدران، بل إعادة توزيع للثروة والفرص والتنمية.
- الإعمار لا يخضع لمعادلة الولاء السياسي أو المحاصصة، بل يُبنى على العدالة والحاجة والكفاءة.
- كل ليرة تُنفق يجب أن تُنتج بنية تحتية وطنية، وفرصة عمل، وقيمة اقتصادية مضافة.
- الإعمار أداة لتحقيق الإنصاف الجغرافي، لا تكريس التهميش أو مركزية القرار.
- أولويات الإعمار تُحدَّد محليًّا ووطنيًّا، لا دوليًّا أو أمنيًّا.
ثالثًا: ربط الإعمار بالتنمية المستدامة
لكي لا يتحوّل الإعمار إلى “انتعاش مؤقت” ينتهي بانتهاء التمويل، يجب أن يكون:
- قائمًا على تشجيع القطاعات الإنتاجية: الزراعة، الصناعة، الطاقة البديلة، التكنولوجيا.
- مرتبطًا بسلاسل التوريد الوطنية: لتقليل الاستيراد، وتحفيز المشروعات السورية الصغيرة والمتوسطة.
- مُؤسسًا على نظم عمرانية متوازنة: تُعالج الفوضى الإسكانية، وتُعيد ربط المناطق النائية بالمدن والمراكز.
- مدعومًا بسياسات نقدية وضريبية مرنة: تُشجّع الادخار، والاستثمار، والعمل، وتحفّز رأس المال الوطني.
- محكومًا برقابة ديمقراطية ومجتمعية: تضمن الشفافية، وتمنع الاختلاس، وتُخضع العقود للمساءلة.
رابعًا: الإعمار بوصفه مدخلًا للعدالة
لا يمكن الحديث عن إعمار دون معالجة القضايا التالية:
- من يموّل؟ ولماذا؟ وبأي شروط؟
- من يملك الأرض؟ ومن هُجّر منها؟
- كيف يُعاد توزيع السكان؟ وعلى أي أسس؟
- ما مصير المناطق التي قُصفت عمدًا؟ وهل تُمنح تعويضات عادلة؟
ولهذا، يجب أن تُدمج العدالة الانتقالية في سياسات الإعمار، حتى لا يتحوّل إلى شرعنة للجرائم، أو مكافأة للمجرمين، أو تكريس للنتائج المفروضة بالقوة.
خامسًا: شروط النجاح
- وجود سلطة وطنية انتقالية ذات مشروعية شعبية وإدارية حقيقية.
- إصدار قانون إعمار عصري، يُحدّد الأدوار والضوابط والحقوق.
- تأسيس هيئة وطنية مستقلة لإدارة الإعمار، خاضعة للرقابة التشريعية.
- إشراك المجالس المحلية والمجتمع المدني في التخطيط والتنفيذ.
- وضع خريطة أولوية شفافة، تبدأ بالمناطق الأكثر تضررًا وتهميشًا.
خاتمة الفصل:
إعادة الإعمار ليست ترميمًا لحطام الأبنية، بل لإحياء الإنسان، وإصلاح العقد، وتثبيت العدالة.
وما لم يُحوَّل هذا التحدي إلى فرصة لبناء اقتصاد إنتاجي، عادل، مستقل، فإن كل الإسمنت الذي يُصب سيبني فوق الرمال المتحركة.