القسم الثالث – الباب الخامس
الفصل الثاني والعشرون السيادة البيئية والعدالة المناخية
مقدمة تأسيسية:
حين تُستنزف الأرض، يُستنزف الإنسان.
وحين تتحول الموارد إلى غنيمة، يتحول المجتمع إلى ساحة نهب، والدولة إلى شركة مفلسة لا وطنًا.
لقد كانت البيئة في سوريا ضحية صامتة للاستبداد:
- نُهبت غاباتها،
- سُمّمت مياهها،
- دُمّرت أراضيها الزراعية،
- وتحوّلت مواردها الطبيعية إلى مصادر لتمويل الحروب والفساد،
دون أي اعتبار للأجيال القادمة أو للتوازن البيئي.
في مشروع النهضة، لا نُعيد فقط بناء المجتمع، بل نُعيد صياغة العلاقة بين الإنسان وأرضه.
فالسيادة الحقيقية لا تكتمل دون سيادة بيئية،
والعدالة لا تتحقق دون عدالة مناخية تُنصف المهمّشين، وتحمي الموارد، وتُعيد التوازن بين التنمية والاستدامة.
أولًا: البيئة السورية بين الإهمال والاستغلال
- نهب الغابات والمحميات الطبيعية:
-
- التعدي على المساحات الخضراء لحساب البناء العشوائي أو تجارة الفحم.
- غياب خطط الحماية أو إعادة التحريج.
- استنزاف الموارد المائية:
-
- حفر الآبار العشوائية، تلوّث الأنهار، انخفاض منسوب الفرات، ضعف إدارة المياه الجوفية.
- تحوّل المياه إلى أداة تحكّم سياسي بين مناطق النفوذ.
- تلوث الهواء والتربة بسبب الحرب والصناعة العسكرية:
-
- قصف المناطق الصناعية، واستخدام الأسلحة السامة، وحرق النفايات في العراء.
- تأثير مباشر على الصحة العامة، والمحاصيل، والمياه.
- الزراعة تحت الضغط:
-
- الاستخدام المفرط للمبيدات والأسمدة المهربة.
- تراجع الخصوبة، التصحّر، وارتفاع كلفة الإنتاج.
ثانيًا: مفهوم السيادة البيئية
السيادة البيئية تعني قدرة الدولة والمجتمع على إدارة مواردهم الطبيعية بعدالة، واستدامة، وحماية من النهب الداخلي أو الاستغلال الخارجي.
وتتجلى السيادة البيئية في:
- امتلاك قرار إدارة المياه، الأرض، الغابات، الهواء، والتنوّع الحيوي.
- وضع سياسات بيئية وطنية مستقلة، لا تُفرض من المانحين بل تنبع من مصلحة المجتمع.
- ربط السياسات البيئية بالتنمية، والعدالة، والأمن الصحي والغذائي.
- الاعتراف بالبيئة كحق دستوري، لا كترف إداري.
ثالثًا: العدالة المناخية كحق مجتمعي
- المجتمعات الأضعف (الريف، الفقراء، المزارعون، اللاجئون) هي الأكثر تضررًا من تغيّر المناخ والتدهور البيئي.
- عدالة المناخ تعني ضمان التوزيع العادل للتكيّف مع الأزمات البيئية، والقدرة على مواجهتها.
- لا يمكن بناء دولة عادلة إذا استأثر المتنفّذون بالمياه، والأراضي، والطاقة، وتركوا الهامش يموت عطشًا أو فقرًا.
رابعًا: أدوات مشروع النهضة لحماية البيئة
- وضع ميثاق بيئي وطني يتضمن حقوق الأجيال القادمة، ويُقرّ بدستورية حماية البيئة.
- تأسيس وزارة مستقلة للبيئة والتخطيط المناخي ذات صلاحيات سيادية.
- إطلاق خطط تحريج وطني، وإعادة التوازن المائي، وإصلاح الأراضي الزراعية المتدهورة.
- تبنّي الطاقة المتجددة في كل البنى التحتية الجديدة (شمسية، ريحية، حرارية).
- فرض ضرائب بيئية على الأنشطة المُلوثة، وتقديم حوافز للاستثمار الأخضر.
- تأسيس هيئة رقابة شعبية بيئية، تضم نشطاء ومزارعين وخبراء مستقلين.
خامسًا: البيئة كأمن قومي
- تأمين المياه، والغذاء، والطاقة، ليس فقط قضية تنموية، بل قضية سيادة واستقلال.
- التغيرات المناخية تُهدّد الاستقرار الديموغرافي، وتُنتج موجات نزوح جديدة.
- الحفاظ على الموارد البيئية هو حماية للعقد الاجتماعي، للسلام الأهلي، وللسيادة الوطنية.
خاتمة الفصل:
في سوريا الجديدة، لن تكون البيئة مجرد خلفية صامتة للحروب والصراعات، بل ستكون في صُلب القرار السياسي، والعدالة الاجتماعية، والسيادة المستدامة.
فالنهضة الحقيقية لا تعني فقط أن يعيش الإنسان بكرامة، بل أن يعيش في بيئة صالحة، آمنة، متجددة، ومحترمة.