القسم الخامس
القسم الخامس بناء السلم الأهلي والهوية الوطنية
مقدمة
حين تتهاوى الدول، لا تنهار الجغرافيا فقط،
ولا تسقط الأنظمة وحدها،
بل ينهار ما هو أعمق:
العقد الداخلي غير المرئي الذي كان يربط بين أفراد المجتمع،
ويعطي لوجودهم الجماعي معنى سياسيًا وأخلاقيًا مشروعًا.
وفي سوريا،
لم يكن السقوط مجرد نتيجة لصراع مسلح،
ولا مجرد انكشاف عجز السلطة عن إدارة التنوع،
بل كان انفجارًا كليًا لغياب ذلك العقد منذ لحظة التأسيس الأولى.
لقد حكمت سوريا لعقود قوى قامت مقام العقد الاجتماعي:
قوى الطائفة، العشيرة، الأمن، الحزب الواحد، القائد الضرورة،
لكنها لم تستطع – ولا رغبت – يومًا أن تبني عقدًا حقيقياً بين الأفراد الأحرار.
وكان لا بد لهذه البنى الزائفة أن تتحطم ذات يوم.
اليوم، ونحن نؤسس لمشروع النهضة السورية،
ندرك أن النهوض لا يمكن أن يُبنى فوق رماد الانهيار الاجتماعي القديم،
ولا عبر استنساخ قوالب سياسية أكل عليها الدهر وشرب.
لهذا، يأتي هذا القسم الخامس من مشروعنا،
ليضع حجر الأساس لهندسة وطنية جديدة،
لا تكتفي بإصلاح ما كان،
بل تعيد بناء سوريا من الجذور:
من الجماعة المغلقة إلى العقد المفتوح؛
من الولاءات القسرية إلى الإرادة الحرة؛
من العصبية إلى المواطنة؛
من الغلبة إلى السيادة المشتركة؛
ومن الرعية الطائفية إلى الأمة التعاقدية.
إن الهندسة الوطنية التي نؤسس لها هنا
لا تعني فقط إعادة رسم مؤسسات الحكم،
بل قبل ذلك، تعني إعادة تعريف معنى الاجتماع السياسي السوري كله:
من نحن؟ بماذا نرتبط؟ كيف نحكم أنفسنا؟ وعلى أي قواعد نتشارك الوطن؟
ولهذا فإن هذا القسم يندرج ضمن رحلة متتابعة بدأناها في مشروع النهضة:
شخّصنا الانهيار في القسم الأول،
بنينا الفلسفة النهضوية في القسم الثاني،
خططنا للهندسة المؤسسية الأولية في القسم الثالث،
خضنا معركة الدفاع عن المعايير في القسم الرابع،
ونصل الآن إلى
المرحلة الفاصلة: بناء العقد الوطني الجديد نفسه.
هذه ليست مجرد محطة فكرية،
بل هي نقطة الانطلاق العملية الحقيقية لميلاد سوريا جديدة:
سوريا العقد الحر لا سوريا الغلبة.
سوريا القانون لا سوريا السلاح.
سوريا التنوع المتضامن لا التفكك المتصارع.
سوريا الإنسان الحر لا القطيع الموجّه.
ولهذا فإن هذا القسم سينقسم إلى أبواب متتابعة:
تشريح ديناميكية الفعل الجمعي الذي أنتج الطائفية والعنف،
تفكيك هذا الفعل وتحويله إلى أرضية لبناء مسؤولية فردية،
رسم معالم العقد الاجتماعي الوطني الجديد،
تصميم البنية المؤسسية للدولة التعددية العادلة،
وضع ضمانات استدامة هذا البناء الدستوري ضد الانقلاب والطائفية والاستبداد.
إننا لا نكتب هنا نظرية مجردة،
ولا نحلم بحلم يوتوبي،
بل نؤسس لمشروع وطني قابل للحياة،
مشروع يبدأ من الفهم العميق للجراح،
ويمضي نحو غرس اللبنات الجديدة بحكمةٍ وشجاعة.
لأننا نؤمن:
أن النهضة لا تُمنح، بل تُصنع.
أن الوطن لا يُستهلك، بل يُبنى.
وأن سوريا الغد، لا يمكن أن تقوم إلا على
عقد اجتماعي حر، نابع من الإرادة الجماعية الحرة،
مكتوبٌ بيد السوريين، لخدمة الإنسان السوري، وحماية كرامته، وإطلاق طاقاته.
القسم الخامس
بناء السلم الأهلي والهوية الوطنية