web analytics
القسم الخامس

الفصل السادس دستور سوريا الجديدة

الضمانة العليا للنهضة الوطنية

مقدمة الفصل

الدستور ليس مجرد وثيقة قانونية،
ولا نصًا شكليًا تصدره السلطة،
ولا إعلان نوايا عام.

في مشروع النهضة السورية،
الدستور هو العقد التأسيسي الأعلى الذي ينبثق من الإرادة الحرة للشعب،
ويجسّد رؤيته للحرية، والكرامة، والمواطنة، والعدالة.

إن الدستور الذي نحتاجه،
ليس فقط ليضبط السلطات ويفصل بينها،
بل ليعيد صياغة العلاقة بين المواطن والدولة،
ويؤسس للهوية الوطنية بوصفها خيارًا إراديًا مدنيًا جامعًا،
لا قيدًا طائفيًا ولا إرثًا سلطويًا.

في هذا الفصل،
سنحاول بلورة ملامح دستور سوريا الجديدة،
كما يقتضيها مشروع النهضة،
وكما تمليه دروس المأساة السورية.

أولًا: لماذا نحتاج إلى دستور جديد؟

1. سقوط الشرعية التاريخية للدساتير السابقة

جميع الدساتير التي حكمت سوريا، منذ الاستقلال حتى اليوم،

إما صيغت تحت ضغط أيديولوجي أو فرضت بالقوة العسكرية أو أغرقت بالشعارات الفارغة.

2. انكشاف هشاشة العقد السياسي السوري

الحرب الأهلية لم تفجّر دولة قوية، بل كشفت أن الدولة لم تكن موجودة أصلًا بمعناها المدني الحديث.

لم يكن هناك عقد وطني حر، بل كانت هناك سلطة قسرية تخفي الانقسامات تحت بطش العنف.

3. الحاجة إلى تأسيس شرعية جديدة

الشرعية لم تعد تأتي من الادعاء بالثورات أو النصر العسكري أو حماية طائفة.

بل يجب أن تنبع من عقد اجتماعي جديد، واضح، حر، متفق عليه بين جميع السوريين الأحرار. 

ثانيًا: المبادئ العليا التي يجب أن يقوم عليها الدستور

1. سيادة الشعب

الشعب هو المصدر الوحيد للسلطات.

لا شرعية لأي سلطة لا تنبع من الإرادة الشعبية الحرة.

2. المساواة المطلقة بين المواطنين

لا تمييز بين السوريين لأي سبب: ديني، طائفي، عرقي، مناطقي، جنسي.

3. ضمان الحريات الأساسية

حرية الفكر، والتعبير، والتنظيم، والمعتقد، مصونة ولا يجوز تقييدها إلا بما يحمي الحرية نفسها.

4. حياد الدولة تجاه الدين والهويات الفرعية

تحترم الدولة الأديان، لكنها لا تتبنى دينًا رسميًا، ولا تسمح بتوظيف الدين في الشأن السياسي.

5. الفصل الصارم بين السلطات

التشريع، والتنفيذ، والقضاء سلطات منفصلة ومتوازنة، مع آليات رقابة متبادلة فعالة.

6. اللامركزية البناءة

توزيع عقلاني للسلطات الإدارية والمالية والتنموية، دون المساس بوحدة الدولة وسيادتها.

7. العدالة الاجتماعية والاقتصادية

التزام بضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية الأساسية لكل فرد.

8. سيادة القانون

لا أحد فوق القانون: لا فردًا، ولا جماعة، ولا مؤسسة.

ثالثًا: ملامح النظام السياسي الدستوري المنشود

1. نظام جمهوري ديمقراطي

النظام السياسي جمهوري برلماني رئاسي متوازن،

بحيث لا يحتكر رئيس الجمهورية السلطة المطلقة، ولا تصبح الحكومة دمية بيد البرلمان.

2. تداول سلمي فعلي للسلطة

دورات انتخابية دورية وحرة،

تقييد مدد الرئاسة والنيابة وعدم السماح بالتوريث أو البقاء المفتوح.

3. حماية التعددية السياسية والمدنية

الاعتراف بالتعددية، مع رفض تأسيس الأحزاب على أسس دينية أو طائفية أو عرقية.

4. قضاء دستوري قوي

وجود محكمة دستورية مستقلة قادرة على إسقاط أي قانون أو قرار مخالف للدستور.

رابعًا: ضمانات عدم الانقلاب على الدستور

1. تحصين مبادئ الدستور

جعل بعض المبادئ (مثل المساواة، وحرية التعبير، وفصل السلطات) فوق التعديل، أو تعديلها فقط بإجراءات استثنائية معقدة.

2. إشراك المجتمع في حماية الدستور

إتاحة آليات للطعن الشعبي، والمبادرات الشعبية الدستورية، وإجراءات استفتائية تصحيحية.

3. توازن القوى داخل النظام

ضمان ألا تستطيع أي سلطة (تنفيذية أو عسكرية أو أمنية) أن تنقلب على الإرادة الشعبية أو تحتكر الحكم.

4. المجتمع المدني كخط دفاع أول

حماية دور النقابات، والمنظمات الحقوقية، والجمعيات الأهلية، كحراس دائمين للفضاء الديمقراطي.

خامسًا: التحديات المتوقعة في صياغة الدستور

1. مقاومة بقايا الذهنيات الطائفية

محاولات الإبقاء على امتيازات بعض الجماعات تحت غطاء الحصص والضمانات الفئوية.

2. تدخلات القوى الخارجية

محاولات فرض دساتير تخدم توازنات دولية أو إقليمية بدل خدمة المصلحة الوطنية السورية.

3. ضعف الثقافة الدستورية

الحاجة إلى حملات توعية واسعة لتعريف الشعب بحقوقه الدستورية وكيفية ممارستها والدفاع عنها.

سادسًا: كيف نكتب الدستور؟

1. لجنة تأسيسية وطنية منتخبة

تنتخب بآلية شفافة، لا تعين بالتوافقات الفوقية.

2. مشاركة المجتمع المدني

عبر لجان استشارية مستقلة، وحملات استماع للمواطنين، ومؤتمرات حوارية.

3. استفتاء شعبي حر

لا يكتسب الدستور شرعيته إلا إذا أقرّه الشعب بحرية كاملة في استفتاء نزيه.

4. دورة تثقيف دستوري وطني

حملة تعليم وتوعية شعبية لضمان أن يعرف المواطنون مضمون الدستور وكيفية الدفاع عنه.

خاتمة الفصل

الدستور ليس مجرد بداية للدولة،
بل هو الروح الحية التي تنفخ في المجتمع معناه الجديد:
معنى الحرية، والكرامة، والسيادة الفردية والجماعية.

إن مشروع النهضة السورية،
لا يمكن أن يكتمل بدون دستور حقيقي:
دستور يصنعه السوريون، لا يفرض عليهم،
يحمي حرياتهم بدل أن يقيدها،
ويعبر عن كرامتهم بدل أن يصادرها.

إنها معركة المصير:
أن ننتقل من دولة الشعار إلى دولة العقد،
من دولة القسر إلى دولة الإرادة الحرة،
ومن وطن مستباح إلى وطن يصونه الدستور والقانون والشعب.

وفي هذا الطريق،
لا بد أن نضع الدستور فوق الجميع،
وأن نؤمن أن حماية الدستور،
هي حماية لحقنا في أن نكون أحرارًا،
وأندادًا،
ومواطنين لا رعايا.