القسم السادس – الباب الأول
الباب الأول المؤسسات الأمنية والدفاعية
مقدمة:
(من أدوات القمع إلى منظومات حماية سيادية خاضعة للشرعية المدنية)
في بنية الدولة السورية ما قبل الانهيار، لم تكن المؤسسة الأمنية جهازًا وظيفيًا لحماية المجتمع أو صون السيادة، بل كانت جوهر النظام ذاته.
لم يكن الأمن مجرد قطاع، بل كان عقيدة حُكم، تنظر إلى المواطن باعتباره تهديدًا محتملًا، وإلى المجتمع كمصدر خطر، وإلى الدولة كقوقعة أمنية، يُبنى كل شيء داخلها وتُخنق الحياة خارجها.
ومن هنا، فإن إعادة بناء المؤسسات الأمنية والدفاعية ليست مسألة تنظيمية أو هيكلية فحسب، بل هي فعلٌ سياديٌ فلسفي- سياسي–أخلاقي يُعيد تعريف الأمن نفسه: من أمن النظام إلى أمن الإنسان، ومن حماية السلطة إلى حماية الحياة، ومن هندسة الخوف إلى صيانة الكرامة.
لقد اعتمد النظام السوري لعقود على أمن موازٍ للجيش، قائم على تعددية الأجهزة، وتضارب صلاحياتها، وتورّطها في القمع، والفساد، والارتباط بالخارج.
كما اعتمد على عسكرة الدولة والمجتمع، بحيث لم يكن الجيش مؤسسة وطنية محايدة، بل أداة سياسية لحماية النظام وإخضاع الداخل، وإدارة الولاء من خلال الامتيازات والانضباط القسري.
أما اليوم، فإن المشروع السيادي الجديد يفرض تجاوزًا جذريًا لهذه البنية، لا عبر تفكيكها الفوضوي، بل عبر إعادة تأسيس المؤسسات الأمنية والدفاعية على أسس جديدة:
تخضع فيها القوة للشرعية،
▪ ويُفصَل فيها الأمن عن الحكم،
▪ ويُستعاد الجيش بوصفه مؤسسة وطنية غير مؤدلجة،
وتُصمَّم الأجهزة الأمنية بوظائف واضحة، وولاية محددة، وآليات رقابة دقيقة، خاضعة للقانون وللسلطة المدنية المنتخبة.
في هذا الباب، لن يُطرح الأمن كهاجس سلطوي، بل كحق مدني.
ولن يُفهم الدفاع كجهاز احترافي منعزل، بل كجزء من الهوية الوطنية السيادية.
إن غاية هذا الباب أن يقدّم تصورًا متكاملًا لإعادة بناء المؤسسات الأمنية والدفاعية ضمن الدولة السورية الجديدة، منطلقًا من قاعدة مفادها:
“لا أمن فوق الدولة، ولا أمن خارج المجتمع، ولا أمن دون قانون، ولا قوة دون رقابة“.
فصول الباب الأول
القسم السادس - الهندسة المؤسسية لبناء أدوات الدولة السيادية