web analytics
القسم السادس – الباب الثاني

الفصل الخامس عشر هندسة منظومة الطاقة والمياه

نحو الاستدامة والسيادة البيئية

تمهيد عام

إن السيطرة على الموارد الطبيعية، وعلى رأسها الطاقة والمياه، ليست مجرد قضية خدماتية أو تنموية، بل هي مسألة سيادية تمسّ جوهر استقلال الدول وقدرتها على الصمود.

في سوريا ما بعد الحرب، لا يمكن لمشروع النهضة أن ينجح إذا لم يضع نصب عينيه هدفًا استراتيجيًا واضحًا: تحقيق السيادة الكاملة والمستدامة على موارد الطاقة والمياه، وإعادة بنائهما وفق منطق الاستدامة، العدالة، والابتكار.

إن تأمين هذه الموارد، وإدارتها بطريقة رشيدة، وإعادة توزيعها بشكل عادل، وتحويلها إلى رافعة للنمو الوطني بدل أن تكون أداة استنزاف أو ابتزاز، يشكل ركيزة أساسية لبناء سوريا القادرة على الحياة الحرة الكريمة.

أولًا: قراءة في الواقع السوري ما بعد الحرب

1. تدمير البنية التحتية للطاقة والمياه

تضرر كبير في محطات توليد الكهرباء (الحرارية والمائية) وشبكات النقل.

تدمير ممنهج لحقول النفط والغاز أو وقوعها تحت سيطرة قوى خارجية أو ميليشيات.

تدهور شديد في شبكات المياه والصرف الصحي، وانخفاض جودة ونوعية المياه.

2. استنزاف الموارد وفقدان السيادة

سيطرة ميليشيات مدعومة خارجيًا على حقول النفط والمياه الجوفية.

لجوء السكان إلى مصادر بديلة ملوثة أو مفرطة الكلفة، مما فاقم الأزمات الصحية والاقتصادية.

ارتفاع شديد في أسعار الطاقة والمياه بسبب الاحتكار والانقطاع المستمر.

3. ضعف الإدارة والتخطيط

تفكك مؤسسات الدولة المعنية، وفقدان الكفاءات البشرية المتخصصة.

غياب مشاريع استراتيجية للاستدامة أو الاستثمار في بدائل الطاقة النظيفة.

ثانيًا: المبادئ الحاكمة لمنظومة الطاقة والمياه في مشروع النهضة

السيادة الوطنية الكاملة: استعادة السيطرة الكاملة على جميع الموارد وإدارتها لصالح السوريين دون تدخل خارجي.

الاستدامة البيئية: اعتماد مصادر متجددة للطاقة والحفاظ على المياه باعتبارها ثروة وطنية للأجيال القادمة.

العدالة في التوزيع: ضمان وصول عادل ومنصف للطاقة والمياه إلى جميع المناطق والمجتمعات دون تمييز.

الشفافية والإدارة الرشيدة: وضع إدارة هذه الموارد تحت رقابة قانونية ومجتمعية فاعلة لمنع الفساد والهدر.

التحديث التكنولوجي: استثمار أحدث التقنيات لتحقيق الكفاءة في الإنتاج والاستهلاك.

ثالثًا: محاور هندسة منظومة الطاقة والمياه

1. قطاع الطاقة

أ. إعادة بناء وتحديث محطات الكهرباء

ترميم المحطات التقليدية وتحديثها لرفع الكفاءة وتقليل الهدر.

تطوير شبكات النقل والتوزيع الذكية لضمان الاستقرار والعدالة في الإمداد.

ب. الاستثمار في الطاقة المتجددة

إطلاق مشاريع كبرى للطاقة الشمسية وطاقة الرياح، خصوصًا في المناطق المناسبة جغرافيًا.

دعم المبادرات المحلية لإنتاج الطاقة النظيفة على مستوى القرى والمجتمعات الصغيرة.

ج. إدارة قطاع النفط والغاز

استعادة السيطرة الكاملة على الحقول والمنشآت النفطية والغازية.

إعادة تأهيل البنية التحتية لاستخراج ونقل وتصنيع الطاقة، مع الالتزام بالمعايير البيئية.

إنشاء “الصندوق السيادي للطاقة”، لاستثمار عائدات النفط والغاز لصالح مشاريع تنموية وطنية مستدامة.

2. قطاع المياه

أ. إعادة بناء شبكات المياه والصرف الصحي

تحديث الشبكات القديمة وبناء شبكات جديدة تعتمد على تقنيات الحد من الهدر والتسرب.

اعتماد أنظمة متطورة لمعالجة وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي للأغراض الزراعية والصناعية.

ب. حماية المياه الجوفية والسطحية

سن قوانين صارمة لتنظيم استخراج المياه الجوفية.

حماية مصادر المياه السطحية من التلوث والاستنزاف.

ج. تطوير تقنيات تحلية المياه

الاستثمار في مشاريع تحلية مياه البحر في المناطق الساحلية لدعم الأمن المائي.

د. ترشيد الاستهلاك المائي

إطلاق حملات توعية وطنية لترسيخ ثقافة الترشيد.

دعم تقنيات الري الحديث في الزراعة (كالري بالتنقيط) لتقليل الاستهلاك.

رابعًا: آليات تنفيذ منظومة الطاقة والمياه

1. إنشاء “الهيئة الوطنية للطاقة والمياه

هيئة مستقلة تُدار بكفاءات علمية ومهنية عالية.

تُشرف على وضع الخطط الاستراتيجية وتنفيذها وتقييم أدائها بشكل دوري.

2. صياغة “الاستراتيجية الوطنية للطاقة والمياه

استراتيجية شاملة بعيدة المدى (25–30 سنة)، ترتكز على السيادة والاستدامة والتقنيات الحديثة.

تتضمن أهدافًا مرحلية قابلة للقياس والمراجعة.

3. التمويل

الاعتماد على مزيج من التمويل الحكومي، استثمارات القطاع الخاص، شراكات دولية مشروطة بالسيادة الوطنية.

4. البحث العلمي والتطوير

دعم البحث العلمي في مجالات الطاقة المتجددة وتقنيات المياه.

إنشاء مراكز أبحاث وطنية متخصصة، بالتعاون مع الجامعات ومراكز الابتكار.

خامسًا: أولويات العمل المرحلي

المرحلة الأولى (1–3 سنوات)

تأمين مصادر الطاقة والمياه للحد الأدنى من احتياجات السكان العاجلة.

استعادة السيطرة على الموارد الاستراتيجية وتثبيت الأمن المائي والطاقة.

المرحلة الثانية (4–7 سنوات)

بناء محطات طاقة شمسية وريحية كبرى.

إعادة بناء منظومات المياه والصرف الصحي الحضري والريفي.

المرحلة الثالثة (8–15 سنة)

تحقيق الاكتفاء الذاتي الطاقي والمائي.

تصدير الطاقة النظيفة كرافد اقتصادي جديد للدولة السورية.

سادسًا: النتائج المنتظرة

تحرير القرار السوري من الابتزاز المرتبط بالموارد الحيوية.

تأمين احتياجات الشعب السوري من الطاقة والمياه بكفاءة وعدالة واستدامة.

تحويل سوريا إلى مركز إقليمي للطاقة النظيفة في المدى البعيد.

ترسيخ ثقافة الاستدامة والمسؤولية البيئية في الوعي الجمعي.

بهذا نؤسس لمنظومة طاقة ومياه لا تكون مجرد خدمات طارئة، بل قاعدة لاستقلال سوريا ونهضتها الحضارية.