web analytics
القسم السابع – الباب الأول

الفصل الخامس القضاء المستقل

من أدوات السلطة إلى حارس العقد

أولًا: المقدمة التنفيذية

لا يمكن بناء دولة سيادية عادلة بدون منظومة قضائية مستقلة. لقد عانت سوريا لعقود من تسخير القضاء كأداة بيد السلطة التنفيذية، حيث فُقدت الثقة بالعدالة، وغابت الحماية القانونية، وتم تحويل القوانين إلى أدوات تسلط. ضمن هندسة النهضة السورية، يمثل القضاء عمود التوازن بين السلطة والحق، وحارسًا للعقد الاجتماعي والدستوري، لا تابعًا لهوى الحاكم أو سلطته.

ثانيًا: الأهداف الاستراتيجية

فصل القضاء بالكامل عن السلطة التنفيذية.

تأسيس سلطة قضائية مستقلة دستوريًا ومؤسسيًا وماليًا.

ضمان المحاكمة العادلة، وحماية الحقوق، وتعزيز الشفافية القضائية.

تحصين القضاة من الفساد والتدخل السياسي والأمني.

إعادة بناء الثقة بين المواطن ومنظومة العدالة.

ثالثًا: محددات هندسة القضاء النهضوي

القضاء ليس فرعًا من السلطة التنفيذية، بل سلطة قائمة بذاتها.

لا يجوز لأي مؤسسة، مهما كانت، أن تتدخل في عمل القاضي أو تملي عليه أحكامًا.

استقلال القضاء يبدأ من آلية التعيين والتقييم، ولا ينتهي عند البنية المؤسسية.

لا معنى للقانون إن لم يكن القاضي حرًا في تفسيره وتطبيقه دون ضغط.

رابعًا: المبادئ المؤسِّسة للقضاء المستقل

دسترة استقلال السلطة القضائية بنص صريح واضح غير قابل للتأويل.

مجلس قضاء أعلى مستقل، يُنتخب من القضاة أنفسهم، ويشرف على:

التعيين.

النقل.

التأديب.

الإشراف الفني والإداري.

ميزانية مستقلة للسلطة القضائية تُقرّ مباشرة من البرلمان دون مرور بالحكومة.

قانون السلطة القضائية يُفصّل ضمانات الاستقلال ويمنع التدخلات الأمنية والسياسية.

خامسًا: خطوات إعادة بناء المنظومة القضائية

مراجعة شاملة لقوانين القضاء:

إلغاء المحاكم الاستثنائية (الإرهاب، أمن الدولة، …).

توحيد الإجراءات وضمان علنية المحاكمات.

تحديد معايير النزاهة والتعيين والترقية.

إعادة هيكلة المعهد القضائي:

ليصبح مركزًا وطنيًا لتكوين القضاة عبر معايير شفافة وكفاءة صارمة.

فصل التكوين القضائي عن الوزارات والجهات التنفيذية.

تطوير آليات التفتيش القضائي:

ليخضع لقضاء أعلى مستقل، وليس للسلطة التنفيذية.

ويشمل تقييم الأداء القضائي وفق معايير العدالة لا الولاء.

سادسًا: ضمانات المحاكمة العادلة

علنية الجلسات إلا في ما يقتضيه الأمن العام أو حماية الخصوصية.

توفير الحق في الدفاع الكامل، ومحامٍ مستقل، وإمكانية الطعن بكل المستويات.

حماية الموقوفين من الاحتجاز التعسفي، وفرض رقابة مستقلة على مراكز التوقيف.

حظر تدخل الأمن في مجريات العدالة أو في إدارة المحاكم.

سابعًا: القضاء كأداة سيادة لا كأداة إخضاع

القاضي يجب أن يشعر بالأمان المهني والوظيفي كي يحكم بالحق لا بالخوف.

القضاء المستقل يُعيد توزيع مراكز القوة في الدولة، ويجعل القانون فوق الجميع.

لا دولة نهضوية دون قضاء لا يخضع إلا للدستور، ولا يحكم إلا باسم الشعب.

ثامنًا: الشفافية والرقابة المجتمعية

نشر الأحكام القضائية علنًا مع الحفاظ على الخصوصية.

آليات مراجعة الأداء القضائي بشكل دوري من قِبل مؤسسات مستقلة.

فتح باب تقديم الشكاوى على أداء القضاة بشكل منظم وفعّال.

خاتمة

استقلال القضاء ليس ترفًا قانونيًا، بل هو ضمانة النهضة، وحارس العقد الاجتماعي، وصمام الأمان الأخير بين الشعب والسلطة. لا يمكن الحديث عن كرامة، ولا عن دولة، ولا عن إصلاح، في ظل قضاء يخاف أو يُخيف.

لذا، فإن تأسيس منظومة عدالة حقيقية، تبدأ من استقلال القاضي وتنتهي بعدالة الحكم، هو أحد أعمدة المشروع النهضوي لسوريا الجديدة.