web analytics
القسم السابع – الباب الثالث

الفصل الثامن عشر الحكم المدني والسيطرة الديمقراطية

من عسكرة الدولة إلى مدنية القرار

 تمهيد استراتيجي

في الدول الخارجة من الاستبداد أو الحرب، غالبًا ما تحتفظ المؤسسة العسكرية بنفوذ سياسي غير مشروع، سواء عبر السطوة الرمزية أو السيطرة الفعلية. وفي سوريا، ورثنا دولة كانت تُدار بالعسكر، وعبرهم، ومن أجلهم. لذلك، لا نهضة دون استعادة القرار المدني الكامل، وترسيخ منظومة تُخضع المؤسسة العسكرية للسلطة المنتخبة، دون أن تُضعف قدرتها الدفاعية.

أولاً: الإشكالية السورية – من عسكرة الدولة إلى عسكرة المجتمع

تمّ تسييس الجيش منذ الستينات وتحويله إلى ذراع لحزب البعث لا للدولة.

تداخل الجيش مع الأجهزة الأمنية أفرز ولاءات متشابكة لا مهنية.

الحرب جعلت المجتمع السوري نفسه مجتمعًا مسلّحًا، وأنتجت فصائل وجماعات مسلحة متجاوزة لسلطة الدولة.

غابت التقاليد الدستورية الناظمة للعلاقة بين المؤسسة العسكرية والسلطة المدنية.

 ثانياً: مرتكزات السيطرة المدنية على المؤسسة العسكرية

لإعادة بناء علاقة سليمة بين المدني والعسكري، يجب إرساء المبادئ التالية:

تبعية المؤسسة العسكرية لقيادة سياسية منتخبة خاضعة للمساءلة.

حظر تدخل الجيش في الحياة السياسية أو العمل الحزبي أو الاقتصادي.

الفصل الكامل بين المؤسسة العسكرية والأمنية من جهة، ومؤسسات القضاء والإعلام والإدارة من جهة أخرى.

تعزيز الرقابة البرلمانية على الميزانية العسكرية، وسياسات التسلح، والتعيينات القيادية.

اعتماد قوانين صارمة تمنع تشكيل أي مليشيات أو جماعات مسلحة خارج الجيش الوطني.

ثالثاً: آليات تنفيذ السيطرة المدنية

تشكيل مجلس أعلى للدفاع مدني–عسكري، يترأسه رئيس مدني، ويُشرف عليه البرلمان.

دسترة مبدأ القيادة السياسية المنتخبة للقوات المسلحة كأحد ثوابت النظام السياسي.

تعزيز دور لجنة الدفاع في البرلمان بصلاحيات تحقيق ورقابة واسعة.

إعادة صياغة القوانين العسكرية بما يضمن الشفافية، المهنية، والولاء للوطن فقط.

اعتماد آلية التجنيد الوطني العادل والمتساوي على أسس غير طائفية ولا مناطقية.

برامج إعادة دمج عناصر الجماعات المسلحة في الحياة المدنية أو ضمن الجيش المهني بشروط صارمة.

رابعاً: تحصين المسار الديمقراطي من الانقلابات والتغوّل

منع عسكرة السياسة أو تسييس العسكر يبدأ بخلق ثقافة مؤسساتية داخل الجيش، تؤمن بالدولة المدنية، وتَعتبر الدفاع وظيفة لا سلطة.

إطلاق برامج توعية وطنية داخل الكليات العسكرية والأمنية، تُدرّس فلسفة الدستور والحقوق والمواطنة.

ضمان ديمومة الحكم الديمقراطي عبر تقليص رمزية العسكر في الحياة العامة، وإعادة الاعتبار للمدني بوصفه قائد السيادة.

ختام الفصل – من القوة الغاشمة إلى قوة القانون

القوة لا تُقاس بعدد الدبابات، بل بقدرة الدولة على حماية استقلال قرارها، عبر مؤسسات منضبطة، خاضعة للدستور، وملتزمة بخدمة المواطن لا السيطرة عليه.
وفي سوريا الجديدة، لن يكون السلاح طريقًا للسلطة، بل وسيلة لحماية الوطن… تحت قيادة مدنية، وبإرادة شعبية.