القسم السابع – الباب الخامس
الفصل الرابع والعشرون إعلام الدولة النهضوية
من البوق إلى الحاضن الحرّ للوعي
أولاً: مدخل: الإعلام كسلاح أم كخدمة؟
في التجربة السورية، لم يكن الإعلام يومًا ساحة للرأي العام،
بل كان ذراعًا للسلطة، وأداة تزييف، ومنصة لبث الخوف والتمجيد وتقديس الفرد.
تحوّل من وظيفة الرقابة والنقد إلى آلة خطابية تُعيد إنتاج الهيمنة، وتُقصي الحقيقة، وتُفرغ المفاهيم من معناها.
لكن النهضة لا يمكن أن تقوم فوق أكوام الصمت والتضليل،
ولا تُبنى في مجتمعات معطّلة اللسان ومُجرّدة من أدوات النقاش والرقابة والتنوير.
إعلام الدولة النهضوية يجب أن يُبنى لا كواجهة،
بل كـمنظومة معرفية–تشريعية–مؤسسية،
تحمي حرية الرأي، وتُحرّر الحقيقة من القبضة السلطوية،
وتتحول إلى بنية دعم للفكر، ورافعة للوعي، وساحة وطنية للمساءلة.
ثانياً: مبادئ الإعلام في الدولة الجديدة
الاستقلال التام عن السلطة التنفيذية: لا تبعية ولا تمويل حكومي مشروط.
الحق في الوصول إلى المعلومة: كمبدأ دستوري واجب التطبيق.
حرية التعبير والنقد السياسي كركيزة للديمقراطية.
الحق في تأسيس وسائل الإعلام لكل فرد أو مجموعة، بلا وصاية أو تمييز.
رفض الاحتكار الإعلامي – لا صوت واحد، ولا مرجعية واحدة.
تحييد الإعلام الرسمي عن الخطاب الدعائي – وتحويله إلى منصة خدمية ووطنية.
ثالثاً: إصلاح الإعلام الرسمي – من جهاز سلطة إلى مؤسسة وطنية
فصل الإعلام الرسمي عن الرئاسة والحكومة، وربطه بهيئة مستقلة منتخبة ومراقبة برلمانيًا.
تحويل “الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون” إلى مؤسسة عامة ذات ميثاق تحرير واضح ومُلزم.
تعيين القيادات الإعلامية على أساس الكفاءة، لا الولاء السياسي أو الأمني.
ضمان المساحة المتساوية لكل القوى المجتمعية والسياسية ضمن الإعلام العام.
تأسيس مجلس تحرير مستقل داخليًا في كل مؤسسة إعلامية، مسؤول عن خطها التحريري ومحتواها.
رابعاً: الإطار القانوني والتنظيمي لمنظومة الإعلام
قانون إعلام جديد يضمن حرية التعبير، ويحظر الرقابة المسبقة.
هيئة وطنية للإعلام المستقل، بصلاحيات تنظيمية ورقابية لا تتبع لأي جهة تنفيذية.
إلغاء وزارة الإعلام ككيان توجيهي، وتحويل دور الدولة إلى دعم البنية التحتية والخدمات اللوجستية فقط.
وضع ميثاق شرف وطني للإعلام، بمشاركة المؤسسات والأكاديميين والنقابات.
تشريعات تمنع تركّز التملك الإعلامي بيد أفراد أو جهات سياسية أو مالية محددة.
خامساً: الإعلام المجتمعي – صوت الناس لا مجرد تغطية لهم
دعم الإعلام المحلي والمجتمعي كمكوّن أساسي للتمثيل الشعبي.
تخصيص صندوق وطني لدعم الإعلام التشاركي والمستقل.
تشجيع المبادرات الإعلامية الشبابية والمدنية والمناطقية.
تدريب الكوادر الإعلامية على العمل المجتمعي والنزاهة الصحفية والنقد التحليلي.
ربط الإعلام بالمؤسسات التعليمية، والمراكز الثقافية، والمجالس المحلية.
سادساً: الإعلام والعدالة المعرفية – تمكين الجميع من الحضور
إطلاق قنوات باللغة الكردية والسريانية ولغات الأقليات الأخرى.
إتاحة الإعلام الرقمي والمطبوع للمكفوفين والصمّ والفئات الخاصة.
تمكين النساء من قيادة المؤسسات الإعلامية وتوجيه أجنداتها التحريرية.
توسيع نطاق الإنترنت الحرّ وتحرير بنيته من الرقابة أو الحجب.
سابعاً: خارطة الطريق نحو إعلام نهضوي
مرحلة تأسيسية تشريعية: إقرار القوانين المؤسِّسة للحرية والاستقلال.
مرحلة إعادة هيكلة: فصل الإعلام عن السلطة، وبناء المؤسسات على قاعدة الشفافية والاستقلال.
مرحلة التمكين المجتمعي: دعم الإعلام الحر والمجتمعي خارج المركز السياسي.
مرحلة التقييم والمساءلة: بناء نظام مراقبة مستقل لمحتوى الإعلام وأثره في الحياة العامة.
ثامناً: الإعلام كضمانة لا كمجرد وسيلة
لا تُبنى الدولة النهضوية على مؤتمرات صحفية،
بل على مجال عام مفتوح للرقابة والنقد والتفكير والتداول.
ولا يُحترم المواطن إذا لم يُمنَح الحق في أن يكون صانعًا للمعرفة، لا مجرد متلقيًا.
الإعلام هنا ليس فضاءً للسلطة، بل سلطة مضادة تحفظ التوازن وتُحصّن الشرعية وتُعبّر عن الناس.