القسم الثامن – الباب الرابع
الفصل الخامس عشر هيئة إعادة الإعمار والبنية التحتية
مقدّمة تمهيدية:
لم يكن الدمار في سوريا مجرد نتيجة حرب، بل كان أيضًا نتاج فسادٍ مؤسسيّ، وتهميشٍ طويل، وانعدام عدالة في توزيع التنمية، وسوء تخطيط ممنهج.
ولهذا، فإن إعادة الإعمار ليست عملية ترميم جدران، بل عملية سياسية–تنموية مركبة، تعيد بناء الدولة من أساسها العمراني والخدمي، وتُصلح ما أفسدته السلطة، وتُعيد إنتاج المجال العام بوصفه مجالًا للكرامة والمساواة والسيادة.
تُنشأ هيئة إعادة الإعمار والبنية التحتية كجهاز تنفيذي عالي الاختصاص، وواسع الصلاحيات، لا يخضع للمزاج السياسي أو النفوذ المالي أو التوظيف الدعائي، بل يُدار بمنطق التخطيط الوطني، ويخضع للرقابة القانونية والمجتمعية، ويعمل ضمن رؤية التنمية الوطنية لا خارجها.
أولًا: موقع الهيئة ووظيفتها في بنية الدولة الجديدة
- الوظيفة الأساسية:
الإشراف على التخطيط والتنفيذ والمتابعة لجميع مشروعات إعادة الإعمار والبنية التحتية على مستوى الجمهورية؛
التنسيق مع الوزارات، المجالس المحلية، والقطاع الخاص، لتنفيذ خطط الإعمار وفق أولويات تنموية–اجتماعية لا تجارية أو سياسية؛
ضمان التوزيع العادل للموارد، ودمج المناطق المهمشة أو المدمرة في النسيج الوطني من خلال إعادة بناءها وظيفيًا وليس رمزيًا فقط.
- الهوية المؤسسية:
هيئة وطنية مستقلة، لا تتبع وزارة، بل ترتبط بالمجلس الأعلى للتنمية الوطنية والمجلس التنفيذي للدولة؛
تخضع لرقابة البرلمان، وديوان المحاسبة، وهيئة مكافحة الفساد، ومجلس القضاء الإداري؛
تمتلك شخصية اعتبارية كاملة، وموازنة خاصة ضمن موازنة الدولة.
ثانيًا: المبادئ الحاكمة لإعادة الإعمار
العدالة الجغرافية: تُعطى الأولوية في الإعمار للمناطق التي عانت دمارًا ممنهجًا أو تهميشًا سياسيًا سابقًا.
الحق في العودة: يُربط الإعمار بحق السكان الأصليين في العودة، وتُمنع عمليات التغيير الديموغرافي.
إزالة آثار الفساد العمراني: يُمنع أي مشروع إعمار يُكرّس تشوّهات المرحلة السابقة (ضواحي أمنية – مشاريع نخبوية – شبكات المحسوبيات العقارية).
التوثيق والمساءلة: تُوثق كل مشاريع الإعمار من حيث المصدر، والتكلفة، والهدف، والجهة المنفذة، وتُخضع للرقابة الشعبية.
الاستدامة البيئية والخدمية: لا يُعاد بناء أي مرفق دون ضمان كفاءة الطاقة، النظافة البيئية، والربط التنموي.
ثالثًا: البنية التنظيمية للهيئة
- المجلس الإداري الأعلى للهيئة:
يُعيَّن بالتشارك بين رئاسة الدولة، البرلمان، والمجلس الأعلى للتنمية الوطنية؛
يتكوّن من 11 عضوًا: خبراء في التخطيط العمراني، البنية التحتية، الاقتصاد، القانون، والإدارة؛
يُشرف على وضع الخطط، وإقرار العقود، وتقييم الأداء العام.
- الوحدات التنفيذية:
دائرة التخطيط العمراني والإقليمي؛
دائرة مشروعات البنية التحتية (طرق – مياه – كهرباء – شبكات الاتصال)؛
دائرة الإسكان العام والمرافق الاجتماعية؛
دائرة إعادة بناء المؤسسات الخدمية (مدارس – مستشفيات – بلديات)؛
دائرة الرقابة الهندسية والمواصفات الفنية؛
وحدة النزاهة والتوثيق ومكافحة تضارب المصالح.
- المكاتب الميدانية:
تُنشأ مكاتب تنفيذية في كل محافظة متضررة، وتتبع المركز الرئيسي فنيًا، والإدارة المحلية رقابيًا.
رابعًا: أدوات الهيئة التنفيذية والتمويلية
تمتلك الهيئة صلاحية إدارة المناقصات الكبرى ضمن معايير النزاهة والشفافية.
تُطلق منصّة وطنية رقمية لمتابعة كل المشاريع، بتفاصيلها، ونسبة إنجازها، وميزانياتها، متاحة للمواطنين والمجتمع المدني.
تُفعّل نظام “الشباك الواحد للمواطن“ لتلقي الشكاوى، المطالبات، والتعويضات.
تعمل على استقطاب التمويل التنموي لا القروض السياسية، بالتنسيق مع الجهات الدولية غير المشروطة.
خامسًا: خطة التدرج التنفيذي
إصدار قانون تأسيس الهيئة خلال أول 90 يومًا من الحكومة الانتقالية، مع إلغاء كل لجان الإعمار القديمة.
تشكيل طاقم فني وإداري مستقل، يخضع لتدقيق النزاهة، ويمنع شغل أي منصب لمن شارك في شبكات الفساد السابقة.
إطلاق خطة “إعمار متدرج عادل” بثلاث مراحل: الطوارئ (6 أشهر)، التعافي (سنتان)، البناء المستدام (10 سنوات).
نشر خارطة أولويات وطنية للإعمار مبنية على درجة الضرر واحتياجات السكان، لا على حسابات سياسية أو طائفية.
إصدار التقرير الأول لأداء الهيئة بعد عام من العمل، متضمنًا نسب الإنجاز، العقود، الشكاوى، والانحرافات المرصودة.
خاتمة الفصل:
إن هيئة إعادة الإعمار ليست أداة ترميم، بل مؤسسة بناء مستقبل، تُحوّل الخراب إلى فرصة لبناء عدالة عمرانية، ومواطنة خدمية، وتنمية مسؤولة.
وبها، نخرج من منطق “المكرمة” و”العطاء”، وندخل منطق الحق، والشفافية، والمصلحة الوطنية.
وباستقلالها عن السلطة السياسية، وارتباطها المباشر بالتخطيط السيادي، تتحول الهيئة إلى ركيزة تأسيسية لاستعادة الدولة في المكان، والمعنى، والوظيفة.