القسم الثامن – الباب الرابع
الفصل الثامن عشر الهيئة العليا للبحث العلمي والابتكار
مقدمة تمهيدية:
لا تنهض أمة دون أن تنتج معرفتها بنفسها.
وفي سوريا، كان البحث العلمي حبيسًا في دوائر رسمية مشلولة، ومُفصولًا عن حاجات الناس، ومُهيمنًا عليه أمنيًا وإيديولوجيًا، حتى فقد قيمته، وتحولت الجامعات إلى إدارات للامتحان لا مراكز للعقل.
واليوم، لا يمكن لدولة تنهض من ركام الحرب أن تبني جهازًا إداريًا أو اقتصاديًا فعالًا، إن لم تُؤسّس قبل ذلك جهازًا معرفيًا وطنيًا سياديًا، يُحرّك التنمية، ويُعيد الاعتبار للعقل كأداة سيادة.
تُنشأ الهيئة العليا للبحث العلمي والابتكار بوصفها مؤسسة سيادية مستقلة، مركزها الدولة وأذرعها في كل جامعة ومؤسسة ومجلس محلي، تُوجّه البحث، وتدعم المبتكر، وتربط بين المعرفة والإنتاج، وتُخرِج العقل السوري من العزل، والبحث من الورق إلى الفعل.
أولًا: موقع الهيئة ووظيفتها الاستراتيجية
- الوظائف الأساسية:
رسم السياسات العامة للبحث العلمي والابتكار في الدولة؛
توجيه التمويل البحثي نحو أولويات النهضة والتنمية المستدامة؛
تطوير منظومة وطنية للابتكار ترتبط بالقطاعات الإنتاجية والخدمية؛
إعادة بناء العلاقة بين الجامعات والمجتمع، عبر مراكز بحث تطبيقية؛
حماية المعرفة الوطنية من التسليع أو التبعية أو التسييس.
- الموقع المؤسساتي:
هيئة سيادية عليا، لا تخضع لوزارة التعليم العالي، بل تُراقَب من البرلمان، وترتبط بالمجلس الأعلى للتنمية الوطنية.
تملك شخصية اعتبارية، وموازنة مستقلة ضمن الميزانية الوطنية.
ثانيًا: اختصاصات الهيئة ومهامها التطبيقية
إعداد الخطة الوطنية للبحث العلمي، وفق رؤية استراتيجية لعشر سنوات؛
إنشاء وتنسيق مراكز الأبحاث الوطنية في كل المجالات: (الصحة – الزراعة – الطاقة – البيئة – الاقتصاد – التكنولوجيا – العلوم الاجتماعية – السياسات العامة)؛
ربط البحث العلمي مباشرة باحتياجات الدولة والمجتمع، وليس فقط بالأوساط الأكاديمية؛
إصدار منح وتمويلات تنافسية للمشاريع المبتكرة؛
حماية الملكية الفكرية الوطنية، وتسجيل براءات الاختراع؛
تأسيس قواعد بيانات وطنية للباحثين، المشاريع، النتائج، المؤشرات؛
تنظيم العلاقة مع الجهات البحثية الدولية ضمن سيادة معرفية واضحة.
ثالثًا: البنية المؤسسية للهيئة
- المجلس الأعلى للبحث والابتكار:
يضم علماء وباحثين سوريين من الداخل والخارج، مستقلين سياسيًا، مختارين بالكفاءة والإنجاز؛
يشرف على السياسات العليا، واعتماد المشاريع الكبرى، وتقييم الأداء.
- الإدارات التنفيذية التخصصية:
إدارة السياسات والتخطيط المعرفي؛
إدارة التمويل والمِنَح والحواضن البحثية؛
إدارة الملكية الفكرية والمعايير الأخلاقية؛
إدارة التنسيق الجامعي ومراكز البحوث؛
إدارة التكنولوجيا والابتكار الصناعي.
- مكاتب محلية وإقليمية:
في كل محافظة، تتصل بالجامعات والمجالس المحلية والمؤسسات الحكومية والخاصة.
رابعًا: المبادئ الحاكمة
الاستقلال الأكاديمي والسياسي الكامل؛
ربط البحث العلمي بالسيادة الوطنية والتنمية لا بالسلطة أو السوق فقط؛
تجريم التمييز السياسي أو الأمني في تمويل أو تقييم الأبحاث؛
اعتماد الشفافية والتقييم العلمي الموضوعي لكل مشروع؛
حماية الباحث والمبتكر قانونيًا، واجتماعيًا، ومهنيًا.
خامسًا: أدوات التنفيذ
إنشاء منصة وطنية للبحث العلمي: قاعدة بيانات مفتوحة تُنشر فيها المشاريع والنتائج والتمويلات والتقييمات.
إطلاق أول حاضنة سيادية للابتكار: في كل من دمشق، حلب، إدلب، دير الزور، السويداء، تتكامل مع المجالس المحلية والقطاع الإنتاجي.
تخصيص 1.5% من الموازنة العامة للبحث العلمي كحد أدنى، على أن يُرفع تدريجيًا إلى 3%.
إدراج التعليم البحثي في جميع المراحل الجامعية كمكوّن أساسي في السياسات التعليمية.
سادسًا: خطة التأسيس المرحلية
إصدار القانون التأسيسي للهيئة خلال أول 90 يومًا من الحكومة الانتقالية؛
تشكيل المجلس الأعلى من باحثين سوريين مختارين وفق معايير مستقلة؛
تجميد كافة الشبكات البحثية المرتبطة بالسلطة السابقة أو الأجهزة الأمنية، وإعادة هيكلتها؛
إطلاق أول “أجندة بحثية وطنية” بعد 6 أشهر، مرتبطة بأهداف التنمية، السيادة، والمجتمع؛
إصدار التقرير السنوي الأول حول واقع البحث العلمي السوري، مؤشراته، مشكلاته، ومقترحات إصلاحه.
خاتمة الفصل:
إن الهيئة العليا للبحث العلمي والابتكار ليست مؤسسة تكميلية، بل هي الجهاز العصبي لمشروع النهضة والسيادة الوطنية، وهي التي تضمن أن لا يُدار المستقبل بعقل ماضوي، وأن لا تبقى سوريا مستوردة للمعرفة، مستهلكة للعقول، مُهمّشة في ثورات التكنولوجيا والبيئة والتفكير العلمي.
وبإنشائها، نكون قد أنجزنا بناء المؤسسات التنموية والسيادية الكبرى، التي تجعل من الدولة كيانًا منتجًا، لا تابعًا؛ فاعلًا، لا مفعولًا به؛ عاقلاً، لا مستعيرًا لعقول الآخرين.