القسم الثامن – الباب الخامس
الفصل التاسع عشر وزارة الدفاع في الدولة الدستورية الجديدة
مقدّمة تمهيدية:
في النظام السلطوي، تتحوّل وزارة الدفاع إلى ثكنة بيروقراطية تُدار من القصر الجمهوري، وتُستخدم القوات المسلحة لا لحماية الحدود بل لضرب الداخل. أما في النظام السيادي، فوزارة الدفاع هي مؤسسة خاضعة للقانون، يقودها مدنيون، وتُبنى على أساس دستوري واضح، وضمن حدود العقيدة الوطنية، والوظيفة الدفاعية فقط.
لهذا، فإن وزارة الدفاع في الدولة السورية الجديدة لا تُؤسَّس لتكريس قوة مركزية، بل لضمان حماية السيادة، كرامة الأرض، وسلامة الشعب، عبر منظومة دفاع منضبطة، قانونية، وتكاملية مع باقي مؤسسات الدولة.
أولًا: المهام السيادية لوزارة الدفاع
الإشراف على إعداد السياسات الدفاعية العامة للدولة؛
تنظيم وتخطيط وإدارة شؤون القوات المسلحة ضمن العقيدة الوطنية للدفاع؛
ضمان ارتباط المؤسسة العسكرية بالدستور، وخضوعها للقيادة المدنية المنتخبة؛
التحكّم في العقود والتسليح والخطط التدريبية ضمن سياسة واضحة خاضعة للرقابة البرلمانية؛
المشاركة في إدارة الكوارث الوطنية والدفاع المدني عند الحاجة، ضمن دور غير مسيّس.
ثانيًا: البنية المؤسسية لوزارة الدفاع
- الوزير المدني للدفاع:
يُعيَّن من قِبل رئيس الحكومة بموافقة البرلمان، ويُحاسَب أمامه؛
لا يكون من خلفية عسكرية خلال السنوات الخمس السابقة لتعيينه؛
يُمثّل القيادة السياسية على المؤسسة العسكرية دون تدخل في العمليات الميدانية.
- هيئة التخطيط السيادي:
جهاز متخصص يرسم الاستراتيجية الدفاعية العامة، يتكوّن من خبراء استراتيجيين، باحثين، ضباط سابقين، وممثلين عن السلطات الثلاث؛
يُشرف على المواءمة بين السياسات الدفاعية والاقتصادية، ويتعاون مع المجلس الأعلى للتنمية الوطنية.
- الدوائر التنفيذية للوزارة:
- دائرة شؤون الضباط والإدارة البشرية؛
- دائرة العقود والتسليح والتوريد؛
- دائرة التخطيط والإحصاء العسكري؛
- دائرة التعليم والتأهيل المهني للقوات المسلحة؛
- دائرة الشؤون القانونية والانضباط العسكري؛
- دائرة المتابعة البرلمانية والرقابة المدنية.
ثالثًا: المبادئ الدستورية التي تحكم وزارة الدفاع
خضوع المؤسسة العسكرية الكامل للدستور، وللقانون المدني؛
منع تدخل الجيش في الحياة السياسية، أو استخدامه في النزاعات الداخلية؛
الربط الصريح في الدستور بين وظيفة الجيش وحماية السيادة وحدود الدولة فقط؛
منع الإعفاءات الضريبية أو القانونية أو المالية التي تجعل الجيش فوق الدولة؛
تجريم أي نشاط سياسي، حزبي، أيديولوجي، أو طائفي داخل المؤسسة العسكرية.
رابعًا: العلاقة بين وزارة الدفاع والمؤسسة العسكرية
وزارة الدفاع لا تُدير العمليات القتالية مباشرة، بل تُخطّط وتُراقب وتُنظم.
العمليات القتالية تخضع لهيئة الأركان المشتركة (تفصيلها في الفصل التالي)، مع وجود سلطة التنسيق السياسي–العسكري.
تُلزم الوزارة بنشر تقرير سنوي عن هيكل الجيش، حجمه، توزيع موارده، دون الإخلال بالأمن القومي.
كل قرارات الوزارة يجب أن تخضع للتدقيق الإداري، والمساءلة البرلمانية، والمراجعة القضائية عند الضرورة.
خامسًا: الإصلاحات التأسيسية في مرحلة الانتقال
إلغاء كل البُنى الوزارية السابقة المرتبطة بالمخابرات أو الحرس الجمهوري أو القيادة القُطرية؛
إعداد قانون وزارة الدفاع الجديد خلال أول 90 يومًا، وتقديمه للنقاش العام قبل اعتماده؛
تشكيل لجنة مراجعة تاريخية لممارسات وزارة الدفاع السابقة، تُوصي بالإصلاحات الهيكلية الضرورية؛
فتح باب الشفافية بخصوص العقود العسكرية السابقة، والتحقيق في ملفات الفساد داخل الوزارة؛
تعيين أول وزير دفاع مدني مستقلّ، وتقديم برنامج تحوّلي علني للجمهور والمجتمع المدني.
خاتمة الفصل:
إن وزارة الدفاع في الدولة الجديدة ليست مؤسسة عسكرية فحسب، بل مؤسسة سيادية–مدنية تُجسّد التوازن بين القوة والقانون، بين الأمن والسيادة، وبين الدولة والمجتمع.
وهي التي تضمن ألا يتحوّل السلاح إلى وسيلة للهيمنة، وألا يُستخدم الجيش كأداة للسيطرة الداخلية. إنها أداة صون لا قمع، أداة ردع لا تهديد.