web analytics
القسم الثامن – الباب الخامس

الفصل الثاني والعشرون الدولة قيد التشغيل

من التخطيط إلى السيادة المتدرجة

مقدمة انتقالية

لقد كان هذا القسم التاسع بمثابة الورشة الكاملة لتشغيل الدولة،
لا بوصفها سلطة تتعالى على المجتمع، بل كجهاز ينشأ من الناس، ويخدمهم، ويخضع لرقابتهم.
هنا لم نعد نتحدث عن “كيف نحلم”، بل عن كيف نُنفّذ،
وعن الأدوات، والمسارات، والإجراءات التي تُترجم مشروع النهضة إلى واقع مؤسسي حيوي ومتفاعل.

أولًا: من الخطط إلى الدولة الممكنة

كل باب من أبواب هذا القسم شكّل ركيزة من ركائز البناء التنفيذي:

  • السلطات الدستورية الثلاث لم تُصغَ كأسماء، بل كوظائف متوازنة.
  • العدالة الانتقالية لم تعد أداة تسوية، بل أساسًا للمشروعية الجديدة.
  • الأجهزة الأمنية لم تُصمَّم كقلاع، بل كخدمة مجتمعية تضبط ولا تقمع.
  • التنمية لم تُطرح كأرقام، بل كحق جماعي مرتبط بالكرامة.
  • الدفاع لم يُبنَ على الاحتكار، بل على حماية السيادة من الجميع ولأجل الجميع.

ثانيًا: السيادة المتدرجة لا الانفجار المؤسسي

في دولة خرجت من الانهيار، لا يمكن تشغيل كل شيء دفعة واحدة.
ولهذا، تُبنى الدولة الجديدة وفق مراحل تحوّل سيادي متدرج يشمل:

  1. مرحلة التثبيت الدستوري والمؤسساتي
  2. مرحلة التفعيل الرقابي والتوازني
  3. مرحلة تعميق الوظيفة الاجتماعية للدولة
  4. مرحلة ترسيخ الاستقلال الاقتصادي والسياسي
  5. مرحلة تأهيل المشاركة المجتمعية الكاملة في القرار

بهذا المعنى، لا نعيد فقط تشغيل الدولة، بل نُعيد تشكيل الثقافة السياسية والمجتمعية المحيطة بها.

ثالثًا: معايير النجاح – من الشكل إلى الأثر

نجاح خطة التحوّل لا يُقاس بعدد الوزارات أو دقة الهيكل،
بل يُقاس بـ:

  • كم مرة سُمِع صوت الناس في القرار؟
  • كم قضية فُتحت أمام القضاء دون تدخل؟
  • كم موظف نجا من الفساد؟
  • كم مدينة عادت لتُدار بالعدل؟
  • كم شاب آمن بأن مستقبله لا يُشترى بالولاء، بل يُبنى بالحق؟

رابعًا: من المركز إلى المجتمع – إعادة ضبط العلاقة

أحد أعظم التحديات بعد الاستبداد هو كسر العلاقة المختلّة بين الدولة والمجتمع:
– حيث الدولة هي الكل، والمجتمع ظلّها،
– حيث الأجهزة تقود، والمواطن يطيع.

لكن في نموذج النهضة، السلطة وظيفة لا ميراث، والمواطن شريك لا متلقٍ.
ولهذا، فإن خطة التحول السيادي لا تكتمل دون:

  • تمكين المجالس المحلية،
  • إشراك المجتمع المدني،
  • وتثبيت الثقافة الرقابية من تحت، لا فقط من فوق.

خامسًا: تأمين المشروع ضد الارتداد

لكي لا يعود الاستبداد بأشكال جديدة،
ولا تتحوّل البيروقراطية إلى منظومة مقاومة للإصلاح،
تتطلب خطة التحوّل:

  • إدراج آليات متابعة وتقييم دورية مستقلة
  • حماية النصوص التأسيسية من التعديل العبثي
  • إشراك الشعب في مراقبة التنفيذ عبر أدوات مباشرة (استبيانات، مؤشرات، تقارير شعبية)

خاتمة الفصل – باتجاه المرحلة السيادية الكبرى

انتهى هذا القسم بتثبيت أدوات الدولة الجديدة قيد التشغيل،
لكن التحدي الأكبر لم يبدأ بعد:

كيف نحمي هذه الدولة؟
كيف ندير علاقاتها الخارجية؟
كيف نُخضعها لمنظومة سيادة عالمية لا تبتلعها ولا تعزلها؟

وهذا ما سيقودنا إلى القسم العاشر، حيث يبدأ التفكير في موقع سوريا الجديدة ضمن العالم،
– أي في الجغرافيا،
– والسياسة،
– والتحالفات،
– والأخطار،
– والفرص.

فالدولة لا تكون دولة فعلاً،
إلا إذا عرفت كيف تحمي نفسها،
وتختار أصدقاءها،
وتحمل هويتها في وجه من أراد إذابتها.