web analytics
القسم التاسع – الباب الثالث 

الباب الثالث التنمية والسياسات الاقتصادية الكبرى

من الدمار إلى الإحياء الاستراتيجي

مقدمة

إن بناء دولة ما بعد الاستبداد لا يكتمل فقط بإصلاح السياسة، ولا بمداواة الجراح المجتمعية، بل لا بد أن يتجسّد هذا التحول في بنية الاقتصاد، بوصفه التعبير الأكثر وضوحًا عن العدالة، والسيادة، والإرادة الشعبية في امتلاك المصير.

لقد دمّر النظام السوري القديم، ومعه الحرب، البنية الاقتصادية السورية على مستويين:
ماديًا: عبر التدمير الممنهج للبنية التحتية، والمنشآت، والقطاعات المنتجة.

– وبنيويًا: عبر ترسيخ اقتصاد الريع، والفساد، والولاء، والمحسوبيات، وجعل الدولة أداة في يد شبكة حكم لا في خدمة الصالح العام.

فلم يكن الاقتصاد في سوريا وسيلة للنهوض، بل أداة للضبط: يُمنَح الامتياز للموالي، ويُحرم المعارض، وتُدار الثروات كغنائم، لا كموارد وطنية.

ومع الحرب، تضاعفت الكارثة:
– ملايين العاطلين عن العمل،
– تدهور الإنتاج الزراعي والصناعي،
– انهيار العملة،
– تفشي اقتصاد الحرب والسلاح والتهريب،
– وتآكل أي مفهوم للعدالة التوزيعية.

لكن مشروع النهضة لا يرى في هذه التركة نهاية، بل فرصة لتأسيس اقتصاد سيادي جديد، يُعاد فيه تعريف مفاهيم مثل الثروة، العدالة، الإنتاج، التنمية، الاستثمار، التمويل، والموازنة، لا من منطق السوق أو الأيديولوجيا، بل من منطق امتلاك الإنسان لوسائل العيش بكرامة، وقدرته على المشاركة في بناء وطنه من خلال العمل والإنتاج والمعرفة.

ولهذا، لا يُطرح هذا الباب بوصفه ملفًا تقنيًا أو قطاعيًا، بل بوصفه عمقًا سياديًا واجتماعيًا وأخلاقيًا للدولة الجديدة.

ويتوزع هذا الباب على أربعة فصول، تبدأ من رؤية الدولة للإعمار، وتمر بالإسكان، وتنتهي عند بناء اقتصاد سيادي مستقل، يُعيد صياغة العلاقة بين الدولة، والسوق، والمجتمع، بطريقة تحفظ السيادة، وتضمن العدالة، وتُطلق الطاقة الإنتاجية الكامنة في كل مواطن.

فمن بين الركام، لا نبحث عن مخرج، بل نبني الطريق.

 

القسم التاسع - فصول الباب الثالث: التنمية والسياسات الاقتصادية الكبرى