web analytics
القسم التاسع – الباب الثالث

الفصل الحادي عشر الاقتصاد الوطني السيادي

من المحسوبية إلى الإنتاج والتنمية

مقدمة تأسيسية: حين يصبح الاقتصاد مرآة للسيادة

الاقتصاد ليس مجرد مؤشرات أو موازنات أو سياسات نقدية.

في قلب كل اقتصاد وطني حقيقي، تعكس البنية الاقتصادية شكل السلطة، وعمق العدالة، ومدى امتلاك الدولة لقرارها، والمكانة التي يشغلها الإنسان في النظام العام.

وفي سوريا، لم يكن الاقتصاد حياديًا أبدًا.

بل كان دائمًا أداة من أدوات الحكم، وآلية من آليات إعادة توزيع الولاء، وشبكة من المصالح التي تصبّ في خدمة مراكز السلطة، لا في خدمة المجتمع.

كانت المحسوبية لا الإنتاج هي مفتاح الصعود،
وكان الريع لا التصنيع هو أساس الثروة،
وكان القرب من النظام لا الكفاءة هو طريق النفوذ،
وكانت القوانين نفسها مصمّمة لحماية الامتيازات لا لضمان العدالة.

ثم جاءت الحرب، فحطّمت ما تبقّى من بقايا التوازن، وظهرت طبقة جديدة تُسمّى “أمراء الحرب” و”أسياد المعابر”، وانهار النظام الإنتاجي الحقيقي لصالح اقتصاد السلاح، والتهريب، والمضاربة، والتحويلات المشبوهة.

من هنا، لا يمكن لمشروع النهضة أن يكتفي بإصلاحات جزئية أو بخطط دولية للتنمية.
بل يجب أن يُعاد بناء الاقتصاد السوري بوصفه تجسيدًا للسيادة، وأداة للعدالة، وقاطرة للتنمية المستقلة.

أولًا: تشريح الاقتصاد السوري القديم – من الدولة الراعية إلى الدولة النهابة

  1. اقتصاد الريع بدل الإنتاج

لم تُبنَ سوريا على قاعدة صناعية حقيقية، بل على موارد ريعية (نفط، رسوم جمركية، مساعدات، احتكار قطاعات حيوية).
ومع الوقت، تحوّلت الدولة إلى موزّع للثروات المحمية سياسيًا، لا إلى محرك للإنتاج.

  1. بنية فساد مُمأسسة

كان الفساد في سوريا نظامًا لا خللًا:
– تراخيص تُباع،
– شركات تُحتكر،
– صفقات تمر عبر الأمن،
– والقضاء يُصمم لحماية أصحاب النفوذ.

  1. احتكار القرار الاقتصادي

لم تكن هناك مشاركة حقيقية في صياغة السياسات المالية أو الاستثمارية.

بل كانت تُدار عبر دائرة ضيقة، تحتكر المعلومات، وتمنح الامتيازات، وتغلق المجال العام الاقتصادي أمام المجتمعات المحلية والمغتربين والمستقلين. بل كانت تُدار عبر دائرة ضيقة، تحتكر المعلومات، وتمنح الامتيازات، وتغلق المجال العام الاقتصادي أمام المجتمعات المحلية والمغتربين والمستقلين.

  1. إقصاء اللامركزية الاقتصادية

رُكّز الاقتصاد في دمشق، بينما عُطلت إمكانيات المحافظات الأخرى.
فلم تكن هناك رؤية وطنية متوازنة، ولا عدالة في توزيع الموارد، ولا تمكين للطاقات المحلية.

ثانيًا: ملامح الاقتصاد السيادي في مشروع النهضة

  1. السيادة الاقتصادية فوق كل شرط

لا يمكن بناء دولة مستقلة إن كانت أدوات اقتصادها مرهونة للخارج، أو خاضعة لابتزاز المؤسسات الدولية، أو مرتهنة للقروض المشروطة.
السيادة تعني:
– امتلاك القرار المالي،
– التحكم في الموارد،
– بناء قاعدة إنتاجية مستقلة،
– مقاومة الضغوط دون العزلة.

  1. الإنتاج أساس الثروة لا الريع

يُعاد توجيه الاقتصاد السوري نحو:
– الزراعة المستدامة،
– الصناعة المحلية،
– المعرفة والتكنولوجيا،
– المشاريع التعاونية،
– الاستثمار الوطني،
لا نحو المضاربات والامتيازات والاستهلاك.

  1. العدالة كأداة اقتصادية

الاقتصاد ليس محايدًا. يجب أن يكون أداة لإعادة التوزيع، وتقليص الفوارق، وتحقيق تكافؤ الفرص، لا لتكريس المراكز القائمة.

  1. تمكين المجتمعات المحلية

من خلال اللامركزية الاقتصادية، تُمنح المحافظات والمناطق أدوات التخطيط والتمويل والإدارة لمواردها، ضمن إطار سيادي وطني متكامل.

  1. المغتربون شراكة لا تمويل

يُعاد تعريف العلاقة مع السوريين في الخارج على أنهم شركاء في التأسيس لا مجرّد مصادر تحويلات.

ثالثًا: السياسات التنفيذية لبناء اقتصاد وطني سيادي ومنتج

  1. إنشاء “المجلس الأعلى للسيادة الاقتصادية

هيئة مستقلة تُعنى بوضع الرؤية العامة للاقتصاد الوطني

تضم خبراء، ممثلين عن المجالس المحلية، عن الضحايا، عن المغتربين، عن النقابات، عن الريف

تشرف على الخطط التنموية، وتراقب السياسات الحكومية، وتضمن عدم الارتهان الخارجي

  1. إصدار قانون “العدالة الاقتصادية والتوزيع المتوازن للموارد

يفرض نسبة من الموازنة العامة للتنمية في المناطق الأشد تهميشًا

يربط الإنفاق العام بمعايير العدالة لا بمراكز النفوذ

يمنع الاحتكار، ويكافح الفساد المؤسسي بقوانين قابلة للتنفيذ

  1. إعادة هيكلة النظام الضريبي والمالي

نظام ضريبي تصاعدي عادل

ضرائب على الربح العقاري غير المنتج

إعفاءات للمشاريع التعاونية والإنتاجية الصغيرة

إنشاء بنك وطني تنموي مخصص لدعم الفئات الأضعف

  1. تعزيز الاقتصاد المجتمعي

دعم التعاونيات الزراعية

تمكين الصناعات المحلية

تشجيع الاقتصاد النسوي والريفي

ربط المشاريع بالجامعات والمعاهد التقنية

  1. شراكات استراتيجية غير مرتهنة

إعادة صياغة العلاقات الاقتصادية مع الدول الصديقة على قاعدة الندية والمنفعة المتبادلة

منع أي شراكة تُقيّد السيادة أو تفرض نفوذًا سياسيًا مقابل المال

تفعيل اقتصاد المعرفة والتكنولوجيا لفتح أفق جديد للموارد

خاتمة تأسيسية

لا تقوم السيادة بدون اقتصاد يمتلك استقلاله،
ولا تقوم العدالة بدون نظام يُنهي امتيازات القِلة ويُطلق طاقات الأكثرية،
ولا يُبنى وطنٌ قابل للحياة إذا بقيت الثروة محتكرة،
والإنتاج مُعطّل،
والأرض في قبضة الريع،
والناس خارج المعادلة.

في مشروع النهضة، الاقتصاد ليس قطاعًا، بل قلب المشروع الوطني.
هو المعبر اليومي لكرامة المواطن،
والمؤشر الحقيقي لعدالة الدولة،
ومحكّ الإرادة السيادية أمام الخارج.

ومن المحسوبية التي جعلت الاقتصاد زيفًا،
ننتقل إلى الإنتاج الذي يجعل منه ركيزة للاستقلال والازدهار والكرامة.