القسم التاسع – الباب الثالث
خاتمة الباب الثالث
من اقتصاد السلطة إلى اقتصاد الشعب – السيادة تبدأ حين يُعاد امتلاك الثروة
إن ما عُولج في هذا الباب لم يكن مجرد سياسات قطاعية، ولا مجرّد أدوات لتعويض ما خسرته البلاد من عمران أو وظائف أو مداخيل، بل كان محاولة لاستعادة الفعل الاقتصادي بوصفه فعلًا سياديًا، أخلاقيًا، وعداليًا.
فالدولة التي لا تتحكم بثرواتها، لا تملك قرارها.
والدولة التي تُقصي شعبها عن التنمية، تفرغ السيادة من مضمونها.
والدولة التي تجعل من الاقتصاد سوقًا للولاء أو حقلًا للاستغلال، لا يمكن لها أن تبني وعيًا مواطنيًا، ولا استقرارًا دائمًا، ولا نهضة ممكنة.
لقد بُني هذا الباب على فكرة جوهرية:
أن كل حجر يُوضَع في مشروع تنموي، يجب أن يكون مقرونًا بعدالة في التوزيع، ومشاركة في القرار، وشفافية في التخطيط، واحترام لكرامة الإنسان الذي سيعيش في ظلّه.
فالإعمار، كما صغناه، ليس ترميمًا للخراب، بل هندسة جديدة للعدالة.
والسكن، كما تصورناه، ليس جدارًا وسقفًا، بل عقدًا كراميًا بين المواطن والدولة.
والاقتصاد، كما طرحناه، ليس ميدانًا للأقوياء، بل قاعدة لتحرير المجتمع من الفقر والتبعية.
والاستثمار، كما أسّسناه، ليس بابًا للامتياز، بل مجالًا للسيادة التشاركية، والتكافؤ، والتمكين.
هذه الرؤية الاقتصادية–التنموية ليست استجابة لأزمة، بل جزء من تأسيس فلسفة حكم بديلة،
تُنهي إرث الريع والنهب، وتُطلق طاقات السوريين عبر التمكين، والتوزيع العادل، والانتماء العميق.
ومن هنا، ننتقل إلى ما لا يقل أهمية:
الإنسان نفسه، لا بوصفه مستهلكًا أو عاملًا أو متلقيًا، بل بوصفه غاية الدولة وأداتها،
لنفتح في الباب الرابع مسارًا مختلفًا: من التنمية الاقتصادية إلى التنمية البشرية،
ومن البنية إلى الوعي،
ومن البناء إلى التربية،
حيث نعيد ترتيب العلاقة بين الدولة والإنسان من جديد.