web analytics
القسم التاسع – الباب الرابع

الفصل السادس عشر سياسات الشباب

من الإقصاء إلى الفاعلية المستقبلية

مقدمة تأسيسية: الشباب ليسوا مستقبل الدولة… بل حاضرها

لا تُقاس الدول بما تملكه من أراضٍ وثروات، بل بما تملكه من عقول حيّة وطاقات غير مهدورة.
وفي قلب كل نهضة، هناك شرط لا يُستبدل: أن يكون شباب المجتمع في مركز القرار، لا على هامشه.

لكن سوريا، لعقود، لم تتعامل مع الشباب إلا بوصفهم خطرًا كامِنًا أو طاقة يمكن استغلالها.
فتمّت السيطرة عليهم عبر ثلاثية:
التجنيد الإجباري،
التلقين الأيديولوجي،
الخوف من المستقبل.

وفي الحصيلة، حُرِم الشباب من المبادرة، ومن الفرصة، ومن الأمل،
وهاجر من استطاع، وصمت من خاف، وتمرّد من شعر أن لا شيء يخسره.

ثم جاءت الحرب، فدفعت بهم إلى جبهات الموت، أو المنافي، أو البطالة، أو اقتصاد التهريب، أو قاع المجتمع.

فانفجرت أزمة الأجيال على شكل فقدان ثقة كامل بالدولة، وانهيار في معنى الانتماء، وتحوّل الوطن من أفق إلى عبء.

في مشروع النهضة، لا يُعاد استيعاب الشباب كما في الأنظمة السابقة، بل يُعاد الاعتراف بهم كمصدر شرعية، وكتلة طاقة، وشركاء في السيادة، وقادة في التحول، لا مجرّد متلقّين لقرارات الكبار.

أولًا: تشريح الإقصاء البنيوي للشباب في سوريا

1.التعليم لا يجهزهم، والعمل لا ينتظرهم

– المناهج لا تُنمّي قدراتهم،
– النظام الجامعي يفصلهم عن الواقع،
– وسوق العمل لا يعترف بشهاداتهم،
– والمجتمع يعيد تدوير أدوارهم في الهامش، لا في المركز.

2.التسييس أو التهميش

– إما أن تدخل “اتحاد شبيبة الثورة”،
– أو تكون مراقَبًا، محاصرًا، مشكوكًا فيك.
– إما أن تهتف، أو تصمت.
– إما أن تكون ولاؤك مصطنعًا، أو وجودك مهددًا.

3.الغياب الكامل عن القرار

لا مكان لهم في الحكومة،
ولا في المجالس المحلية،
ولا في الإعلام،
ولا في صياغة القوانين،
ولا في التخطيط لمستقبلهم.

  1. تفكك الهوية والشعور بالجدوى

– ملايين الشباب لا يعرفون لماذا يتعلمون،
– ولأي بلد سينتمون،
– ولا ما الذي ينتظرهم،
– بل إن كثيرًا منهم بات مقتنعًا أن الحياة الأفضل تبدأ بالخروج من سوريا.

ثانيًا: فلسفة تمكين الشباب في مشروع النهضة

  1. من الشك إلى الشراكة

الشباب ليسوا “خطرًا يجب احتواؤه”، بل شركاء كاملون في صياغة الدولة الجديدة.
ولا تكون السيادة مكتملة ما لم يكونوا حاضرين فيها بأفكارهم، وإنتاجهم، ورفضهم، واقتراحاتهم، وتمثيلهم المباشر.

  1. من التبعية إلى الفاعلية

لا يُطلب منهم فقط “دعم الوطن”، بل يُطلب من الوطن أن يدعمهم بوضوح:
– في الفرصة،
– في التعليم،
– في العمل،
– في التعبير،
– في التنظيم،
– في التأثير.

  1. من التهميش إلى الريادة

لا يُكتفى بتوفير وظائف أو أنشطة، بل تُبنى سياسات كاملة تجعل من الشباب قادة مشاريع، ومصمّمي حلول، ومهندسي نهضة، ومراقبي الدولة نفسها.

  1. من الحماية الصورية إلى التمكين الحقيقي

لا تُحمى حقوقهم نظريًا، بل تُصان عبر القوانين، والمؤسسات، والمجالس المنتخبة، والمنصات المفتوحة، والإعلام التشاركي، والنقاشات الحقيقية.

ثالثًا: السياسات التنفيذية لتمكين الشباب بوصفهم طاقة الدولة

  1. إصدار “قانون تمكين الشباب السيادي

يضمن تمثيلًا سياسيًا فعليًا للشباب (نسبة محددة في البرلمان والمجالس المحلية)

يخصص موارد من الموازنة العامة لدعم مشاريعهم الريادية

يقرّ حقهم في التنظيم النقابي والمدني دون إذن أمني

يُلزم الوزارات بإدراج سياسات شبابية في خططها

  1. إنشاء “المجلس الوطني الأعلى للشباب

منتخب جزئيًا من قواعد شبابية، وجزئيًا من المجتمع المدني والبلديات

يتبع للمجلس الوطني ويملك صلاحيات رقابية واستشارية

يشارك في صياغة السياسات الوطنية في التعليم، العمل، التنمية، الصحة، الثقافة، الرياضة، والمشاركة العامة

  1. إطلاق “برنامج رأس المال الشبابي

تمويل مشاريع صغيرة ومتوسطة يقودها شباب (ريادة مجتمعية – تكنولوجية – بيئية – إنتاجية)

دعم تدريبي، استشاري، قانوني، ومرافقة على مدى 5 سنوات

إعفاءات ضريبية كاملة للمشاريع الناشئة

تأسيس صناديق محلية للشباب تُدار من البلديات والمجالس المنتخبة

  1. إصلاح منظومة التعليم المهني–التقني لتلائم سوق الشباب

ربط التعليم بالإنتاج الفعلي

دعم الابتكار التقني المحلي

رعاية المشاريع الجامعية وتحويلها إلى شركات

بناء تحالفات بين الجامعات والقطاع الإنتاجي المحلي

  1. تمكين سياسي وشراكة مؤسسية

فرض تمثيل شبابي في هيئات صياغة الدستور، القوانين، الموازنات، والرقابة العامة

فتح باب الخدمة المدنية التطوعية بوصفها تدريبًا على الحكم المحلي

إطلاق قنوات إعلامية شبابية مستقلة

دعم منصات الحوار الوطني الشبابي الدائم

خاتمة تأسيسية

في الدولة التي نُعيد بناؤها، لن نطلب من الشاب أن يُضحي فقط،
بل سنعطيه أسبابًا ليؤمن أنه لن يُدفن تحت رماد جيل سابق.
لن نضعه في زاوية الاحتفال، بل في مركز التخطيط، والمشاركة، والتغيير.

فالشباب، كما نراهم، ليسوا “أمل الغد”، بل أداة التأسيس اليوم.
وإذا لم نُسلّمهم مفاتيح القرار، فسنُسلّمهم مزيدًا من الهزائم.
أما إذا وثقنا بهم، وفتحنا لهم المجال، فسيُنتجون سوريا التي لم نعرفها من قبل.