الملاحق التنفيذية الخاصة بالقسم الثاني عشر
الملحق الرابع الجاليات السورية في المهجر
من الشتات إلى القوة الدبلوماسية الشعبية
( تحليل استراتيجي–اجتماعي لدور السوريين في الخارج، وتصور بنيوي لتحويلهم إلى رافعة سيادية شاملة)
أولًا: مدخل تأسيسي – السوريون في الخارج: وجود مبعثر أم طاقة كامنة؟
تاريخيًا، شكّل السوريون في المهجر واحدة من أقدم وأوسع شبكات الهجرة في المشرق العربي. فقد سبق أن هاجر مئات الآلاف إلى الأمريكيتين منذ مطلع القرن العشرين، ثم توالت موجات الهجرة في ظل الاستبداد والقمع والضيق الاقتصادي. لكن بعد عام 2011، ومع تفجر الثورة وتحوّل البلاد إلى ساحة حرب، خرج من سوريا ما يقارب 7 ملايين إنسان إلى أصقاع الأرض، بينهم:
نخبة من المثقفين، الأكاديميين، المهندسين، الأطباء، والناشطين.
فئات اجتماعية مختلفة من الريف والحضر، ومن مختلف الطوائف والمكونات.
رجال أعمال وحرفيون وطلاب جامعات وعمّال مهرة.
تحوّل الشتات السوري إلى أكبر مجتمع سوري خارج سوريا، لكنه بقي – إلى اليوم – مُهمّشًا، مخترقًا، ومعزولًا عن عملية إعادة بناء الوطن. وغالبًا ما تم استثماره إما في الصراع السياسي، أو في الابتزاز الأمني، أو في الاستغلال المالي، دون أن يُبنى كجسم وطني مستقل، قادر على الفعل.
في مشروع النهضة السورية الجديدة، لا يمكن إغفال هذه القوة البشرية–الاقتصادية–الدبلوماسية، بل يجب إعادة تعريف الجاليات السورية بوصفها امتدادًا سياديًا للدولة، وقاعدة تمثيل شعبي–خارجي لا ورقة ضغط أو خزان تحويلات.
ثانيًا: توصيف دقيق لواقع الجاليات السورية
أ. الانتشار الجغرافي
أوروبا الغربية: ألمانيا، فرنسا، السويد، هولندا، النمسا، بلجيكا.
تركيا: أكبر تجمع بعدد يصل إلى 3.5 مليون سوري.
الأردن ولبنان والعراق ومصر: وجود مكثّف في ظروف معيشية صعبة.
دول الخليج: فئة من الكفاءات والعمالة المتخصصة والمستقرة.
أمريكا الشمالية واللاتينية وأستراليا: جاليات قديمة وحديثة تتفاوت بين الاندماج الكامل والتمثيل الجزئي.
ب. الانقسام التنظيمي–السياسي
الجاليات غير ممثّلة بهياكل مستقلة.
تم اختراقها عبر السفارات أو الأحزاب أو أجهزة الدول المضيفة.
النخب المهاجرة غالبًا ما بقيت على الهامش، لصالح الفاعلين الفصائليين أو الممولين السياسيين.
ج. المخاطر والتحديات
تجريم العودة، أو التخويف منها.
اختراق أمني من بقايا النظام وأجهزة استخبارات متعددة.
تصدّع اجتماعي نتيجة خطاب الكراهية الطائفي والسياسي.
فقدان الرابط القانوني والإداري مع الدولة، أو إجبار البعض على التخلي عن الجنسية.
ثالثًا: المهام الاستراتيجية المنوطة بالجاليات في مشروع الدولة الجديدة
- التمثيل الشعبي الخارجي
بناء مجالس تمثيلية حقيقية تنتخب من أبناء الجاليات.
منحها دورًا استشاريًا وربطها بمؤسسات صنع القرار في الداخل.
- القوة الدبلوماسية الشعبية
تحويل الجاليات إلى شبكة ضغط دولي لصالح سوريا الجديدة:
عبر مراكز الفكر.
من خلال وسائل الإعلام والجامعات.
عبر التواصل مع البرلمانات والرأي العام في الدول المضيفة.
- الرافعة الاقتصادية
تسهيل الاستثمار للمغتربين داخل سوريا وفق ضمانات قانونية.
استحداث “صندوق وطني للمغترب السوري” يُستثمر في مشاريع استراتيجية.
تفعيل التحويلات البنكية القانونية بأدنى كلفة ودون ابتزاز.
- بناء الرواية الوطنية الجديدة
دعم خطاب النهضة الوطنية والمواطنة العابرة للطوائف.
مكافحة الخطاب الانفصالي أو الطائفي أو الميليشيوي داخل الجاليات.
إنشاء مراكز ثقافية وطنية في بلدان المهجر تُعبّر عن سوريا الجديدة.
رابعًا: الخطة المؤسسية لدمج الجاليات في المشروع السيادي
أ. إنشاء “الهيئة العليا للجاليات السورية“
كجسم مستقل عن وزارة الخارجية، يُعنى بالجاليات مباشرة.
يتمتع بصلاحيات تنظيمية وتنسيقية، ويُبنى على أسس انتخابية من الجاليات نفسها.
ب. إصلاح السفارات وتحويلها إلى واجهات مدنية وطنية
فصل التمثيل الدبلوماسي عن الأجهزة الأمنية نهائيًا.
إعادة تعيين السفراء والقناصل وفق كفاءة سياسية ومجتمعية.
إنشاء وحدات مدنية داخل السفارات تُعنى بالجالية مباشرة (الخدمات، التمثيل، المبادرات).
ج. تطوير البنية القانونية والإدارية
إصدار “قانون الجاليات السورية” الذي:
يضمن الحقوق السياسية والاقتصادية للجالية.
ينظم العلاقة بين الدولة والمغتربين.
يعترف بالجاليات كمكوّن وطني فاعل وليس كـ”مقيمين بالخارج” فقط.
د. إطلاق المنصات الرقمية والربط المؤسسي
منصة رقمية رسمية توحّد السوريين في الخارج:
قاعدة بيانات موثوقة وآمنة.
خدمات قانونية وتعليمية وصحية.
منظومة اقتراحات ومشاركة في الحوارات الوطنية.
خامسًا: التحديات المتوقعة وآليات تجاوزها
التحديات:
عدم الثقة الناتج عن عقود من الإهمال والتخوين.
تغوّل القوى السياسية والفصائلية في تمثيل الجاليات.
تفاوت الأوضاع القانونية والحقوقية للجاليات بحسب البلد المضيف.
سبل التجاوز:
بناء علاقة نديّة بين الدولة والمغترب، قائمة على الحقوق لا الولاء.
تحييد ملف الجاليات عن الصراع السياسي، وجعله وطنيًا جامعًا.
إطلاق حملة استعادة الثقة عبر قصص نجاح، ومبادرات شراكة، ورموز نزيهة.
خاتمة الملحق:
لم يكن السوريون في الخارج غائبين، بل مغيّبين.
ولم يكونوا عبئًا على الوطن، بل طاقة مهدورة بفعل نظام لا يعترف إلا بالمطيع أو التابع.
أما في الدولة السورية الجديدة، فإن كل مواطن في الخارج هو سفير، وشاهد، ومؤسس محتمل لمستقبل مختلف.
فليس هناك وطن دون ناسه،
ولا سيادة دون امتدادها في الوعي والشتات،
ولا دولة تكتمل… إن بقي نصفها في المنافي دون صوت.