ملاحق مفاهيمية للقسم التاسع
الملحق الأول الفعل الجمعي والمسؤولية الجمعية
تحليل فلسفي وسياسي
مقدمة الملحق
في رحلة بناء سوريا الجديدة،
لا يكفي أن نعالج نتائج الحرب والانقسام،
بل يجب أن نغوص أعمق لفهم الجذور البنيوية للانهيار،
وأحد أهم هذه الجذور هو:
ديناميكية الفعل الجمعي، وما تنتجه من مسؤولية جمعية تغذي الكراهية وتفكك المجتمع.
هذا الملحق يقدّم تحليلًا فلسفيًا–سياسيًا معمقًا لهذه الظاهرة،
بغرض تفكيكها،
وفهم مخاطرها،
ووضع أسس فكرية لمعالجتها في بنية الدولة والمجتمع الجديدين.
أولًا: تعريف الفعل الجمعي والمسؤولية الجمعية
- الفعل الجمعي:
هو الفعل الذي يتم باسم جماعة من الناس، أو نيابةً عنهم،
بحيث تذوب المسؤوليات الفردية في قرار جماعي أو واقع جماعي. - المسؤولية الجمعية:
هي تحميل كل أفراد الجماعة نتائج أفعال قامت بها الجماعة ككل أو باسمها،
حتى لو لم يشاركوا فيها بشكل مباشر.
في الفعل الجمعي، يختفي الفرد،
ويُستبدل بـ”نحن” كلية،
بما تحمله من فضائل أو جرائم.
ثانيًا: الشروط الفلسفية لاعتبار الفعل جمعيًا
ليس كل فعل جماعي هو فعل جمعي ضار.
هناك شروط معينة تميّز الفعل الجمعي القاتل عن الفعل الجماعي التعاوني:
- انعدام الإرادة الفردية الحرة:
حيث يُجبر الفرد على الاصطفاف ضمن قرار الجماعة. - تحويل هوية الجماعة إلى مبرر للفعل:
(نحن نفعل كجماعة لأننا كذلك، لا لأن الفعل صحيح أو عادل) - غياب المساءلة الفردية:
لا أحد مسؤول بشكل شخصي، بل الجماعة كلها مسؤولة–أو لا أحد. - تحويل الجماعة إلى مرجعية أخلاقية مطلقة:
بما يعني أن الخير والشر يُقاسان بناءً على نفع الجماعة لا على معايير مستقلة.
ثالثًا: الفعل الجمعي في السياق السوري
في السياق السوري، تكرست ممارسات الفعل الجمعي عبر:
- الطائفية السياسية:
حيث حُملت جماعات دينية بكاملها وزر أفعال أفراد أو أنظمة. - الانتقامات المناطقية:
تهجير أو تصفية أحياء كاملة بناءً على هوية سكانها. - العصبيات العشائرية:
التي جعلت الولاء للعشيرة مقدمًا على الولاء للحق أو القانون. - خطابات التخوين الشاملة:
حيث اتُّهمت جماعات بأكملها بالعمالة أو الخيانة، دون تمييز بين فرد وآخر.
كل هذا جعل المسؤولية الجمعية تتحول إلى دينامية كارثية
عمّقت الانقسامات، وأعاقت المصالحات، وقوّضت فكرة المواطنة.
رابعًا: أثر المسؤولية الجمعية على بناء الدولة
- تقويض العدالة:
لأن العدالة تتطلب مساءلة الأفراد عن أفعالهم، لا معاقبة جماعات كاملة. - تعزيز عقلية الثأر:
حيث يصبح الانتقام ضد جماعة بأكملها مبررًا كتعويض عن ظلم سابق. - استدامة دوائر العنف:
لأن كل انتقام جماعي يولد انتقامًا مضادًا، في دورة لا نهاية لها. - إعاقة بناء الثقة:
لأنه لا يمكن بناء سلم أهلي مستدام بين جماعات تُحمِّل بعضها البعض مسؤولية جماعية.
خامسًا: نحو تفكيك الفعل الجمعي وإعادة الاعتبار للمسؤولية الفردية
لتحرير المجتمع السوري من لعنة المسؤولية الجمعية، يجب العمل على:
- تعزيز ثقافة الفرد الحر:
تعليم الناس أن كل إنسان يُحاسب على أفعاله فقط، لا على انتمائه. - التأكيد على مبدأ المسؤولية الفردية في القانون والدستور:
لا عقاب جماعي، لا ثأر جماعي، لا تبرير جماعي للجرائم. - بناء مؤسسات عدالة انتقالية تميز بين الأفراد، لا بين الطوائف أو العشائر.
- تشجيع النقد الذاتي داخل الجماعات نفسها:
حتى تتجاوز منطق التبرير الأعمى لأفعال أبنائها. - فرض حظر صريح على الخطابات الإعلامية والسياسية التي تروّج للمسؤولية الجمعية أو العقاب الجماعي.
خاتمة الملحق
إن الفعل الجمعي، حين يُترك بلا مساءلة،
يحوّل المجتمعات إلى جماعات انتقامية دائمة،
ويحول الدولة إلى مجرد ساحة لتصفية الحسابات.
وإن المسؤولية الجمعية، حين تُقبل كمبدأ،
تهدم كل أسس العدالة والقانون والمواطنة.
لذلك،
فإن أي مشروع نهضة حقيقي،
لابد أن يُخضِع الفعل الجمعي للتحليل والتفكيك،
ويعيد بناء المجتمع على أساس المسؤولية الفردية،
وحرية الضمير،
وكرامة الإنسان بوصفه فردًا، لا ذرةً ذائبةً في قطيع.