Page 10 - The Syrian Renaissance and Post-Despotism State-Building Project
P. 10
ولهذا ،فإن فلسفتنا لا ترى في النهضة مجرد عملية "إعادة إعمار" ،بل عملية "إعادة اعتبار "للإنسان الذي أهين على
يد الدولة ،وعلى يد الجماعة ،وعلى يد الحرب ،وعلى يد الأيديولوجيا ،وعلى يد الفقر والتهجير والطائفية والفساد.
والكرامة التي نريدها له ،لا تختزل في خطاب سياسي ،بل تبدأ من:
شعوره بأنه مرئي ،مسموع ،محترم،
وحقه في أن يفكر ،ويخطئ ،ويعيش بًل خوف،
ومكانه في قلب دولة تُبنى من أجله ،لا فوقه.
لهذا ،فإننا نبدأ منه ،ونُعيد ترتيب كل شيء حوله.
.5التنوع لا التفكك :كيف نصوغ وحدة سورية من فسيفسائها؟
ليست سوريا دولة بسيطة ،ولم تكن يو ًما مجتمعًا أحاد ًّيا .إنها فسيفساء متشابكة من القوميات ،والطوائف ،والمذاهب،
واللغات ،والانتماءات الجغرافية والاجتماعية والتاريخية .وهذا التنوع ،على غناه ،كان دائ ًما سيفًا ذا حدّين:
إ ّما أن يُدار بوعيٍ عادل ،فيتح ّول إلى قوة إثراء وتعدد وشراكة،
أو يُستث َمر بتواطؤ سلطوي أو استقطاب خارجي ،فيتح ّول إلى مصدر نزاع وتفكك وتنازع مشروعيات.
لقد فشلت الدولة السورية ،منذ نشأتها ،في إدارة هذا التنوع .لا لأنها لم تكن تراه ،بل لأنها خافت منه ،أو حاولت إذابته،
أو اختزلته في شعارات الوحدة القسرية ،أو و ّزعت الولاءات والمناصب على أساس توازنات زبائنية لا على أساس
شراكة وطنية.
والأسوأ من ذلك ،أن النخب السياسية والفكرية – من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار – لم تطرح يو اما تصو ارا صاد اقا
حول معنى التعدد ،ولا عن آليات إدارة الفوارق ،ولا عن ضمانات الاندماج دون الإلغاء.
فبقيت القومية عباءة لإقصاء غير العرب،
والدين ذريعة لتهميش المختلف،
والمركز مبر ًرا لتجاهل الأطراف،
والحزب ِمعب ًرا لاحتكار التمثيل.
وكل ذلك ع ّمق الشرخ ،وراكم الغضب ،وساهم في الانفجار الذي لم يكن سياسيًا فقط ،بل اجتماع ايا وهويات ايا ووجود ايا.
في مشروعنا ،لا نُسقط التنوع ،ولا نم ّجده كفولكلور ،بل نتعامل معه كركيزة وجودية يجب أن تُعاد صياغتها ضمن
تصور وطني جديد ،قائم على:
الاعتراف الكامل بالتعدد كمعطى تأسيسي لا طارئ،
العدالة في توزيع السلطة والموارد،
التمثيل الفعلي لا الشكلي،
الضمانات الدستورية والحقوقية لكل مك ّون،
اللامركزية كإطار إداري وسياسي يعيد التوازن دون تفكك،
والهوية الوطنية الجامعة ،التي لا تنفي الخصوصية بل تحضنها وتمنحها معناها في ك ٍّل أكبر.
نحن لا نسعى إلى وطن متجانس زائف ،بل إلى وطن قادر على احتضان اختلافاته دون أن ينفجر بها ،وعلى إدارتها
دون قمع ،وعلى تحويلها من مصدر صراع إلى مصدر حياة.
10 | P a g e