Page 4 - The Syrian Renaissance and Post-Despotism State-Building Project
P. 4
مقدمة مشروع "النهضة وبناء الدولة السورية ما بعد الاستبداد"
ليست هذه الوثيقة عم ًًل فكر ًيا عاب ًرا ،ولا دراسة في الشأن السوري فحسب.
ما بين يديك هو أعمق محاولة مكتوبة حتى الآن لاستعادة فكرة الوطن من حطام الدولة ،واسترداد المعنى من ركام
السلطة ،وإعادة بناء الإنسان السوري كقيمة سيادية مطلقة.
هذا ليس ن ًصا تقرير ًيا ،ولا بيا ًنا سياسيًا ،ولا خطة حكومية.
بل هو مشروع تأسيسي نهضوي معرفي–سيادي–أخلاقي ،ينطلق من قراءة فلسفية لًلنهيار السوري لا بوصفه حدثًا،
بل كبنية ،ولا كأزمة ،بل كمأساة تأسيس ،ولا كصدفة ،بل كحصيلة تراكم طويل من الخلل البنيوي في الفهم والتأسيس
والتمثيل والوعي.
السؤال الذي يفتتح هذا المشروع ليس" :كيف نُصلح ما تهدّم؟"
بل" :كيف نعيد بناء ما لم يُب َن أصلاا؟ وكيف نكتب من جديد الشروط الوجودية لوط ٍن لم يسبق له أن ُوجد كدولة
للجميع؟"
من هذا الإدراك ،يبدأ مشروع النهضة ،ليس من السياسة ،بل من الفكر والسيادة والكرامة.
لا يطرح مقترحات من داخل القفص ،بل يكسر القفص المعرفي الذي جعل السوري ،لعقود ،أسي ارا بين سلطة تُقصيه،
ومعارضة تُخ ّدره ،وواق ٍع لا يرى فيه إلا أداةا لا غاية.
هذا النص لا يدّعي احتكار الحقيقة ،لكنه يرفض الكذب.
لا يزعم امتًلك الحل ،لكنه لا يتسامح مع الوهم.
لا يقدّم نفسه كوص ّي على الشعب ،بل كأداة لتحرير وعيه من التشويه ،وسرده من الاغتراب ،ومصيره من التوظيف.
المنهج هنا صارم:
تفكيك شامل للبنى التي أدّت إلى الانهيار (الدولة ،السلطة ،المجتمع ،الاقتصاد ،الهوية ،الطائفة ،القانون ،الإعًلم،
المعرفة ،التمثيل)...
إعادة تعريف المفاهيم الكبرى (الوطن ،الدولة ،السيادة ،النهضة ،المواطن ،الإنسان ،الدين ،المركز ،الأطراف،
الطائفة ،الذاكرة)
تأسيس نظرية سورية خالصة للنهضة ،لا تُستورد من الخارج ،ولا تُك ّرر تجارب الآخرين ،بل تُستنبط من التجربة
السورية نفسها ،من داخل الجراح والوعي والإمكانات.
هندسة مستقبلية للدولة والسيادة ،عبر بنية مؤسساتية واقعية ،عادلة ،قابلة للتطبيق ،ومؤ َّسسة على الشرعية
الأخًلقية والتمثيل الفعلي.
هذا المشروع لا ينتمي إلى حزب ،ولا إلى تحالف ،ولا إلى طبقة ،ولا إلى محور.
إنه ينتمي إلى الفكرة التي تأ ّخرت عقو ادا عن التشكل :فكرة أن سوريا ليست مجرد مساحة جغرافية متنازع عليها ،بل
وحدة مصير لم تُب َن بعد ،ويجب بناؤها من جديد على أسس مختلفة تما اما.
إنه مشروع يُخاطب:
من يشعر أن كل ما ُطرح حتى الآن لم يم ّس عمق الأزمة.
من يبحث لا عن تغيير الأسماء ،بل عن تغيير المعادلة من الجذر.
من يرى أن المأساة السورية ليست في الانقسام السياسي ،بل في غياب الرؤية التأسيسية.
4|Page