Page 7 - The Syrian Renaissance and Post-Despotism State-Building Project
P. 7
مشروع النهضة وبناء الدولة السورية ما بعد الاستبداد
نحن لا نبني فقط "خطة لإصًلح سوريا"،
بل نعيد كتابة فلسفة التحرر والنهضة من داخل الألم ،من داخل الواقع ،ومن داخل الإنسان.
وهذا ما يمنح هذا العمل أف ًقا يتجاوز الجغرافيا السورية دون أن يغادرها،
لأنه إن نجح ،فسيُثبت أن الشعوب المنهكة ،إن فهمت ذاتها واستثمرت ما تملكه ،قادرة على صناعة المعجزة بدون
معجزة.
وهي ليست فقط رؤية… بل إيمان بأن مشروع النهضة يبدأ حين نُعيد للإنسان إيمانه بنفسه.
الديباجة التأسيسية :
.1بين سؤال النهضة وسؤال الوجود
ليست النهضة فع ًًل تنمو ًيا تقن ًيا فحسب ،ولا مج ّرد استجابة لحاجة اقتصادية أو مطلب سياسي .إنها ،في جوهرها ،سؤال
وجو ٍد مجتمعي عميق ،يتعلّق بكيفية إعادة تعريف الذات ،وترميم العًلقة المكسورة بين الإنسان وزمانه ومكانه ومجتمعه
وتاريخه.
وفي الحالة السورية ،لا يمكن أن يُطرح سؤال النهضة إلا باعتباره امتدا ادا لسؤال أعمق :لماذا انهارت البلاد؟ لماذا لم
نستطع بناء دولة؟ لماذا فشلت مشاريع التنمية؟ لماذا انكسر الإنسان السوري بين أقبية الأمن ومخيمات النزوح
وغرف الغربة؟
هذه الأسئلة ليست جلدًا للذات ،ولا رثا ًء للماضي ،بل ضرورة معرفية لبناء المستقبل .فًل يمكن لمجتمع أن ينهض ما
لم يحدّد بدقة:
أين تعثّر؟
ولماذا تعثّر؟
ومن الذي تعثّر؟
وما الذي يحمله معه الآن من أدوات وقيود؟
فالنهضة ليست وصفة مستوردة ،ولا حل ًما عاب ًرا ،بل هي فعل مراجعة ،وتفكيك ،وإعادة تركيب على أسس وعيٍ جديد.
لهذا فإن مشروعنا لا يبدأ من "الطموح" بل من "الوعي" .لا يبني على الأماني ،بل على الاعترافات .لا يقفز إلى
الحلول ،بل يغوص في الجذور .ولا يرى في الإنسان السوري كائنًا مستهلَ ًكا تُعطى له التعليمات ،بل يراه جوهر كل
مشروع ،وأداة تغييره ،ومقياسه ،وهدفه في آ ٍن واحد.
في اللحظة السورية الراهنة ،بعد أن بلغ الانهيار منتهاه ،لا يُطرح سؤال النهضة كترف فكري ،بل كمعيار بقاء.
إما أن ننجح في بناء نظرية سورية خالصة للنهضة تنطلق من أرضنا وناسنا وتاريخنا وواقعنا ،أو نعيد إنتاج دورة
جديدة من الفشل والاحتراب والتبعية ،لأن ما لا يُبنى على فهم الذات… يُبنى على وهم.
.2من الاستيراد إلى الاستنباط :لماذا نحتاج نظرية سورية خالصة؟
منذ استقًللها الشكلي عام 1946وحتى لحظة الانفجار الكبير في ،2011لم تنتج سوريا نظريتها الخاصة في إدارة
شؤونها وبناء مستقبلها .تعددت المشاريع وتبدلت الخطابات ،لكن القاسم المشترك بينها جميعًا كان واحدًا :أنها لم تكن
نابعة من الذات السورية ،بل إما مستوردة أو مفروضة أو مقلّدة أو منقطعة عن الواقع.
7|Page