Page 8 - The Syrian Renaissance and Post-Despotism State-Building Project
P. 8

‫لم تكن الاشتراكية التي ُطبّقت‪ ،‬اشتراكية سورية متولدة من بنية المجتمع وتفاعًلته الطبقية‪ ،‬بل نسخة معدّلة ومش ّوهة‬
‫من التجربة السوفيتية أو الكورية‪ ،‬جرى توطينها قس ًرا في بيئة لا تشبه منطلقاتها ولا ثقافتها‪ .‬ولم يكن خطاب "القومية"‬
‫مشرو ًعا وطنيًا متكام ًًل‪ ،‬بل غطا اء أيديولوج ايا يُستخدم لتبرير التسلط وتذويب التنوع والانتماءات الأهلية في جهاز‬
‫الدولة القمعية ‪.‬ولم تكن محاولات "الليبرالية الاقتصادية" في عقد التسعينيات سوى تو ّح ٍش مقنّعٍ لاقتصاد المحاسيب‪،‬‬

                                                            ‫بًل عدالة‪ ،‬ولا بنية إنتاج‪ ،‬ولا تمكين حقيقي للمجتمع‪.‬‬
‫كل هذه التجارب‪ ،‬على تن ّوعها‪ ،‬سقطت في الخطأ نفسه ‪:‬الانبهار بالنموذج‪ ،‬أو الارتهان للمحور‪ ،‬أو الاتّكاء على ما‬
‫أنتجه غيرنا‪ ،‬دون أن نُنتج نحن ذاتنا السياسية والمعرفية والاقتصادية ‪.‬فغاب المشروع‪ ،‬وغاب التصور‪ ،‬وغاب‬

                                                                                                     ‫الإنسان‪.‬‬
‫واليوم‪ ،‬حين نحاول أن نؤسس لنظرية نهضة‪ ،‬فإن أول ما ينبغي علينا فعله هو أن نقطع مع هذا النمط العقيم من‬

     ‫الاستيراد‪ ،‬وأن ننتقل من استهلاك الأفكار إلى توليدها‪ ،‬من الاقتباس إلى الاكتشاف‪ ،‬من التماهي إلى الاستنباط‪.‬‬
‫نحن لا نرفض التجارب العالمية‪ ،‬بل نقرأها ونفهمها‪ ،‬لكننا لا ُنقيس عليها إلا ما يصلح لبيئتنا وظروفنا وخصوصيتنا‬

                                          ‫السورية‪ .‬فالذي نحتاجه ليس تكرار تجربة أحد‪ ،‬بل أن نسأل أنفسنا نحن‪:‬‬
                                                                                           ‫‪ ‬من نحن؟‬
                                                                                          ‫‪ ‬ماذا نملك؟‬

                                                                                  ‫‪ ‬ماذا نريد أن نكون؟‬
                                                     ‫‪ ‬وكيف نبني ذلك بما نملكه فع ًًل‪ ،‬لا بما نتخيله فقط؟‬
‫لهذا‪ ،‬فإن نظرية النهضة السورية التي نعمل عليها‪ ،‬لا تُكتب في مراكز البحوث‪ ،‬ولا تُستنسخ من نماذج الأمم الأخرى‪،‬‬
‫بل تُنتج من داخل المجتمع السوري نفسه‪ ،‬بمراعاة واقعه‪ ،‬وتاريخه‪ ،‬وتنوعه‪ ،‬وتحدياته‪ ،‬وإمكاناته‪ ،‬وجرحه‪ ،‬وأمله‪.‬‬
                                      ‫فقط حين نفعل ذلك‪ ،‬يمكننا أن نقول إننا بدأنا فع ًًل السير على طريق النهضة‪.‬‬

                                       ‫‪ .3‬المراجعة لا الإدانة‪ :‬كيف نقرأ الماضي دون أن نُعيده؟‬

‫لا يمكن بناء مستقبل سليم على قراءة مش ّوهة للماضي‪ .‬فالتاريخ‪ ،‬في جوهره‪ ،‬ليس ُكت ّيب انتصارات ولا قائمة إدانات‪،‬‬
            ‫بل مرآة يُفترض أن ننظر فيها لا لنبكي‪ ،‬ولا لنغتاظ‪ ،‬بل لنعرف من كنا‪ ،‬وكيف وصلنا إلى ما نحن عليه‪.‬‬
                                                             ‫لقد م ّرت سوريا‪ ،‬منذ الاستقًلل‪ ،‬بتجارب متناقضة‪:‬‬
                                                                           ‫‪ ‬محاولات إصًلح سياسي‪،‬‬
                                                                               ‫‪ ‬تجارب تنموية جزئية‪،‬‬
                                                                      ‫‪ ‬مشاريع تحديث إداري محدودة‪،‬‬
                                                                                  ‫‪ ‬انقًلبات عسكرية‪،‬‬
                                                                                 ‫‪ ‬موجات أيديولوجيا‪،‬‬
                                                                                       ‫‪ ‬فترات ركود‪،‬‬
                                                                          ‫‪ ‬وأخرى من الانفتاح الحذر‪،‬‬
                                                      ‫‪ ‬وصو ًلا إلى نظام أمني شمولي سحق كل ما سبق‪.‬‬

‫‪8|Page‬‬
   3   4   5   6   7   8   9   10   11   12   13