القسم الثالث – الباب الثاني
الفصل الثامن العقد الاجتماعي الجديد
الشعب مصدر الشرعية
مقدمة مفاهيمية:
العقد الاجتماعي ليس ورقة تُوقّع، ولا دستورًا يُصاغ في أروقة مغلقة، بل هو الركيزة التأسيسية التي تقوم عليها الأمة بوصفها جماعة سياسية حرّة.
هو التوافق الأعلى الذي يُعرّف “من نحن”، “كيف نُحكم”، و”ما الذي لا يجوز المساس به مهما تغيّرت الظروف والسلطات”.
وفي سوريا، لم يكن هناك عقد اجتماعي فعلي قط، بل كانت هناك شرعية مغتصَبة تُفرض من فوق، بالقوة أو بالخوف، وتُمرّر عبر دساتير مفرغة، لا تحمي المواطن، بل تقيّد حريته وتُشرعن احتكار السلطة.
إن مشروع النهضة لا يهدف فقط إلى إسقاط النظام، بل إلى تأسيس عقد اجتماعي جديد تنبثق منه الدولة، وتستمد منه السلطة مشروعيتها، ويكون الشعب فيه هو المصدر الوحيد للشرعية.
أولًا: من العقد المغتصَب إلى التعاقد الحر
في ظل نظام الأسد، لم يكن العقد الاجتماعي أكثر من قناع للهيمنة:
- المواطنة مرتبطة بالولاء لا بالحقوق.
- المشاركة مرهونة بالصمت لا بالفكر.
- القانون أداة قمع لا أداة عدالة.
- والدولة نفسها سُخّرت لحماية النظام، لا لخدمة الناس.
وفي لحظة ما بعد السقوط، لا يكفي إسقاط هذا القناع، بل يجب هدم الأساس الذي بُني عليه، وإعادة صياغة التعاقد من جديد، على قاعدة واضحة:
لا شرعية بلا إرادة شعبية، ولا سلطة فوق الشعب، ولا عقد بلا مساءلة.
ثانيًا: تعريف العقد الاجتماعي الجديد
العقد الاجتماعي الجديد هو:
اتفاق وطني جامع بين السوريين – أفرادًا ومكونات – يؤسّس لفكرة الدولة، ويُحدّد علاقة الحاكم بالمحكوم، ويُقيّد السلطة، ويُطلق الحقوق، ويضمن الحريات.
وهو ليس إعلانًا دستوريًا فقط، بل رؤية سيادية تستند إلى المبادئ التالية:
- أن الشعب هو صاحب السيادة، ومصدر السلطات جميعًا.
- أن لا أحد فوق القانون، ولا سلطة تعلو على الدستور.
- أن الحرية والكرامة حقوق أصيلة لا تُقيّد إلا بحكم عادل.
- أن الوطن لا يُختزل في زعيم أو حزب أو طائفة.
- أن السياسة شأن عام يُدار بالتعددية، لا بالتغلب.
ثالثًا: أسس العقد الاجتماعي السوري الجديد
- المواطنة كأساس للانتماء والحقوق: لا امتيازات طائفية، ولا هويات فرعية تعلو على الوطنية الجامعة.
- التمثيل السياسي القائم على الإرادة الشعبية: لا فرض بالقوة، ولا شرعية بالوراثة، ولا تزييف عبر الاستفتاءات الصورية.
- فصل السلطات وتوزيعها ضمن توازنات مؤسسية: تشريع مستقل، تنفيذ خاضع للرقابة، قضاء حر ونزيه.
- حماية الأقليات لا عبر المحاصصة، بل عبر ضمانات دستورية ومجتمعية شاملة.
- تحديد حدود السلطة، وتجريم الاستبداد، ومنع عسكرة الحياة السياسية أو التمثيلية.
- اعتبار السيادة الوطنية غير قابلة للتفويض، والقرار الوطني ملكًا للشعب فقط.
رابعًا: أدوات تفعيل العقد الاجتماعي
حتى لا يبقى العقد فكرة مجرّدة، لا بد من أدوات تُفعّله، منها:
- جمعية تأسيسية منتخبة تضع ميثاقًا جامعًا وتُشرف على صياغة الدستور.
- حوار وطني شامل تشارك فيه كل القوى والتيارات والمكونات، على قاعدة التساوي لا الهيمنة.
- استفتاء شعبي حر يمنح العقد شرعيته النهائية من الناس.
- محكمة دستورية مستقلة تحمي العقد وتُراقب احترامه من قبل كل السلطات.
- وعي مدني يُدرَّس ويُبث ويُكرّس، بحيث يتحول العقد إلى ثقافة لا مجرد نص قانوني.
خامسًا: العقبات والردود
بعضهم يقول: الشعب منقسم، ولا يمكنه إنتاج عقد.
لكن الحقيقة أن غياب العقد هو ما عمّق الانقسام.
وآخرون يقولون: لا بد من تفاهمات دولية قبل التوافق الداخلي.
لكن لا عقد اجتماعي يُفرَض من الخارج، ولا سيادة تُكتب في مؤتمرات الوصاية.
لهذا، فإن العقد الاجتماعي الجديد يجب أن يكون:
- فعلًا سياديًا سوريًا خالصًا.
- نتاجًا لحوار شجاع يتجاوز الكارثة نحو المستقبل.
- خط الدفاع الأول عن الدولة الجديدة من السقوط في الاستبداد أو التبعية.
خاتمة الفصل:
العقد الاجتماعي هو الجواب النهائي على السؤال الوجودي الذي طُرح بعد الحرب:
“من نحن، وما الذي يجمعنا، ولأي دولة ننتمي، وعلى أي أساس نُحكم؟”
في سوريا الجديدة، لن تحكمنا الطائفة ولا الغلبة ولا السلاح، بل إرادة حرة مشتركة تُدوّن في عقد وطني جامع، يعيد للمواطن كرامته، وللدولة شرعيتها، وللوطن مستقبله.