القسم الثامن – الباب الثالث
الفصل الحادي عشر تأسيس وزارة الأمن الوطني
وهيكلية الشرطة المدنية
مقدّمة تمهيدية:
في كل دولة ديمقراطية حديثة، يُشكّل الأمن أداة سيادية لضمان النظام العام، حماية الحريات، صيانة السلم الأهلي، ومواجهة التهديدات القانونية–الواقعية. أما في النماذج الاستبدادية، كما هو حال سوريا ما قبل التحول، فقد تحوّل الأمن إلى سلطة موازية للدولة، تُدير المجتمع بوسائل الترهيب، وتخترق المؤسسات بدل حمايتها، وتُحيل المواطنة إلى حالة من الاشتباه الدائم.
لهذا، فإن إعادة بناء منظومة الأمن في سوريا الجديدة لا يمكن أن تبدأ بإصلاح الأجهزة القائمة، بل تتطلب تأسيس وزارة أمن وطني جديدة بالكامل، ذات فلسفة وهيكل ووظيفة مختلفة، تُكرّس الأمن بوصفه وظيفة مدنية–سيادية، وليست أداة أيديولوجية–قمعية.
كما يتطلب ذلك بناء جهاز شرطة مدنية حقيقي، يُعيد ضبط العلاقة بين المواطن والسُلطة، عبر قواعد قانونية، وآليات مساءلة، وممارسات تحترم الكرامة الإنسانية، وتُمارس الأمن بوصفه خدمة عامة.
أولًا: من وزارة الداخلية إلى وزارة الأمن الوطني
- فلسفة التأسيس:
تتحوّل وزارة الداخلية السابقة إلى وزارة الأمن الوطني، بوصفها الجهة المركزية المعنية بأمن الدولة والمجتمع، لا بأمن النظام أو السلطة.
تُفصل نهائيًا عن الأجهزة الأمنية ذات الطابع الاستخباراتي أو العسكري.
تستمد شرعيتها من الدستور لا من موقعها داخل السلطة التنفيذية.
- الوظيفة السيادية الجديدة:
إدارة الأمن العام الداخلي ضمن الإطار الدستوري والقانوني؛
الإشراف على الشرطة المدنية، خدمات الطوارئ، المراكز المجتمعية، وحدات الحماية المدنية؛
التنسيق مع القضاء الإداري والمحكمة الدستورية لضمان عدم تجاوز الصلاحيات؛
تمثيل الدولة في اتفاقيات التعاون الأمني الدولية في مجال الأمن المدني ومكافحة الجريمة.
ثانيًا: الهيكل التنظيمي لوزارة الأمن الوطني
- المستوى المركزي:
الوزير: يُعيَّن بمرسوم رئاسي بعد مشاورة البرلمان، ويُحاسب أمامه.
مجلس السياسات الأمنية المدنية: هيئة استشارية عليا تضم قضاة، خبراء أمنيين، وممثلين عن المجتمع المدني، تُراقب التوجهات العامة للوزارة.
المكتب التنفيذي للرقابة الداخلية: جهاز مستقل داخل الوزارة، يحقق في أي شكاوى أو تجاوزات من قبل عناصرها أو منتسبيها.
- المستوى الإقليمي والمحلي:
مكاتب المحافظات: تُدار من قِبل مدراء مهنيين يُعيّنون بناء على مسابقة وطنية، ويُراقبون من قبل مجالس محلية منتخبة.
وحدات الشرطة المجتمعية: فرق متخصصة تعمل ميدانيًا بالتعاون مع المجالس المحلية لضبط الأمن المدني وتلقي الشكاوى والاستجابة المجتمعية.
ثالثًا: تأسيس الشرطة المدنية – من الردع إلى الخدمة
- فلسفة الشرطة الجديدة:
الأمن في خدمة المواطن، لا فوقه؛
الشرطة تُمارس الردع ضمن ضوابط قانونية دقيقة، لا الترويع؛
رجل الشرطة موظفٌ في الدولة، لا وكيلٌ عن السلطة السياسية.
- وظائف الشرطة المدنية:
ضبط الأمن العام؛
تنظيم المرور والسلامة العامة؛
حماية الممتلكات العامة والخاصة؛
الاستجابة لحالات الطوارئ؛
التعامل مع الشكاوى المدنية والنزاعات البسيطة؛
مكافحة الجريمة ضمن الضوابط القانونية.
- شروط التوظيف والتأهيل:
يتم التوظيف على أساس الجدارة، بعد اجتياز اختبارات نفسية–قانونية–ميدانية؛
يُمنع انتماء عناصر الشرطة لأي حزب سياسي أو جهاز أمني أو جماعة مسلحة؛
يُلزم كل شرطي بالخضوع لدورات في القانون الدستوري، حقوق الإنسان، التواصل المجتمعي.
رابعًا: آليات الرقابة والمساءلة
لجنة برلمانية دائمة تُراقب أداء الوزارة وتقدّم تقارير فصلية.
لجان رقابة مدنية محلية تُراقب سلوك الشرطة في المناطق المختلفة، وتملك حق طلب التحقيق.
ديوان مظالم خاص بالأمن الوطني يتلقى شكاوى المواطنين بسرية كاملة ويُحقق بها إداريًا وقضائيًا.
نظام تقييم دوري للعناصر والضباط يُربط بالترقية والعقوبات والمساءلة الإدارية.
خامسًا: خطة التدرج التنفيذي
إلغاء وزارة الداخلية القديمة بمرسوم دستوري، وتجميد كل صلاحياتها القانونية والإدارية؛
إصدار القانون التأسيسي لوزارة الأمن الوطني خلال أول 60 يومًا من الحكومة الانتقالية؛
تشكيل لجنة إعادة هيكلة تضم خبراء أمنيين وقانونيين وحقوقيين لوضع الإطار التنظيمي الكامل للوزارة؛
إطلاق أول دورة وطنية لتدريب الشرطة المدنية الجديدة بعد 90 يومًا؛
تجريب النظام الجديد في 3 محافظات كمرحلة أولى، ثم التوسّع التدريجي خلال أول عام.
خاتمة الفصل:
إن تأسيس وزارة أمن وطني جديدة لا يُمثّل مجرد إعادة تسمية، بل هو تحوّل جذري في وظيفة الدولة، من إدارة الخوف إلى صيانة الأمان، من القمع إلى الوقاية، ومن الطاعة إلى الشراكة المجتمعية. وفي سوريا الجديدة، لا أمن بلا قانون، ولا شرطة بلا مسؤولية، ولا وزارة أمن دون رقابة. وبذلك، نُرسّخ المعنى الجديد للسيادة، القائم على حماية المواطن لا مراقبته، وعلى ضبط القوة لا إطلاقها.