web analytics
القسم السابع – الباب الثاني

الفصل الحادي عشر: هيكلية الدولة الجديدة

تفكيك التكديس وبناء الفعالية

 مقدمة: من التوسّع الشكلي إلى الهيكلة الوظيفية

ليست الدولة القوية هي الدولة الكبيرة،
وليست الفعالية في عدد الوزارات،
ولا في تضخيم الإدارات،
بل في القدرة على الإنجاز المنظّم،
والخدمة الواضحة،
والتكامل بين البناء والإدارة.

لقد ورثت سوريا نموذجًا إداريًا متضخمًا،
مبنيًا على المحسوبيات،
والتوزيع السياسي للحقائب،
وإرضاء الجهات النافذة عبر خلق مناصب لا حاجة لها.
ونتج عن ذلك دولة مترهلة، عاجزة عن أداء وظائفها الفعلية،
تُنفق مواردها على إدارة ذاتها… لا على خدمة مواطنيها.

في مشروع النهضة،
نسعى إلى إعادة صياغة هيكل الدولة ككل،
من الأعلى إلى الأسفل،
بحيث تتحول من شبكة سلطوية مغلقة،
إلى منظومة مرنة، متكاملة، فعالة،
تقوم على الوظيفة لا على الشكل، وعلى الكفاءة لا على الاعتبارات السياسية.

أولاً:  تشخيص الاختلالات البنيوية في هيكل الدولة السورية

نعرض هنا أبرز أوجه التشوّه في هيكل الدولة الحالي:

تضخّم عدد الوزارات والمؤسسات المتداخلة المهام دون تحديد واضح للصلاحيات أو المسؤوليات.

غياب التوصيف الوظيفي الدقيق بين الإدارات المركزية والمحلية.

الاستنساخ الأفقي للدوائر في المحافظات دون صلاحيات حقيقية.

تحوّل الإدارات العامة إلى كيانات بيروقراطية معطلة، لا منصات خدمة.

مركزية قاتلة في القرار، تجعل الدولة مشلولة عند أي أزمة أو تحول.

غياب مبدأ الفصل بين التخطيط والتنفيذ والرقابة.

ثانياً:  مبادئ إعادة هيكلة الدولة الجديدة

تعتمد رؤية إعادة الهيكلة في مشروع النهضة على المبادئ التالية:

تقليص عدد الوزارات وتوزيع المهام بناءً على الوظيفة لا الشكل السياسي.

الدمج بين المؤسسات المتشابهة لتقليل الهدر وتعزيز التنسيق.

فصل مؤسسات التخطيط عن التنفيذ لضمان الرؤية بعيدة المدى.

تعزيز الاستقلالية الإدارية للهيئات الرقابية والمالية والقضائية.

تحويل المحافظات إلى كيانات إدارية فعالة بصلاحيات واضحة وموارد مستقلة.

اعتماد الهيكلة الديناميكية القابلة للتطوير، لا الصيغ الجامدة الخشبية.

ثالثاً: ملامح هيكل الدولة الجديدة المقترحة

نقترح هنا تصورًا أوليًا لهيكلية الدولة النهضوية، كإطار عام مرن:

رئاسة الدولة: مؤسسة رمزية سيادية غير تنفيذية، ضامنة للدستور، ومحايدة.

مجلس وزراء: يضم وزارات تنفيذية محدودة العدد، وفق معايير الدمج والكفاءة.

مجلس تخطيط وطني: مستقل، يضع الرؤية التنموية بعيدة المدى، ويربط الخطط القطاعية ببعضها.

مجلس رقابة مستقل: يُراقب أداء الحكومة، ويُحاسب الإنفاق، ويَرفع تقاريره للبرلمان.

مجالس محلية منتخبة: تتمتع بصلاحيات حقيقية في إدارة شؤون المحافظات، مع مركزية سيادية في القضايا العليا فقط.

هيئات مستقلة دائمة: تشمل القضاء، الانتخابات، النزاهة، الإعلام، الإحصاء، البيئة، حقوق الإنسان.

جهاز إداري مهني–مُفَعل: يرتبط بمركز إدارة الموارد البشرية، ويخضع للتقييم والإصلاح المستمر.

رابعاً: إصلاح الهرم الإداري وتوزيع السلطات

لا يمكن للدولة أن تكون فعّالة إذا بقيت الهرمية فيها مسيّسة، والمناصب العليا حكراً على فئة واحدة. ولهذا نطرح ما يلي:

هيكلة سلم المناصب على قاعدة وظيفية–كفائية واضحة.

فتح المناصب العليا للترشيح العام والمنافسة المفتوحة ضمن معايير صارمة.

تقليص الطبقة العليا من المناصب “الشرفية” التي لا وظيفة لها.

تحديد مدد إشغال المناصب لضمان تجدد الدماء.

منع التوريث الإداري أو تنقيل المسؤولين بين الوزارات دون كفاءة واضحة.

خامساً:  التدرج في تطبيق الهيكلة الجديدة

نقترح ثلاث مراحل متتابعة لتنفيذ الهيكل الجديد:

المرحلة الأولى (سنة أولى): تشكيل لجنة وطنية لإعادة الهيكلة – تقييم الوضع القائم – إصدار مرسوم مؤقت بإيقاف التوظيف القيادي غير الضروري – حصر المهام الحكومية وتصنيفها.

المرحلة الثانية (سنتان): دمج الوزارات – تفعيل الهيئات الرقابية المستقلة – تعديل هيكل الإدارة المركزية – إطلاق برنامج تدريب للوظائف العليا.

المرحلة الثالثة (3 إلى 5 سنوات): تفكيك المركزية – إعادة توزيع المهام بين المركز والمناطق – تقييم شامل للأثر المؤسسي – تعميم الهيكل المرن على كل مستويات الدولة.

ختام الفصل

الهيكل الإداري هو العمود الفقري للدولة،
وحين يكون هذا العمود مشوّهًا، تنهار الدولة ولو بدا شكلها قائمًا.
وحين يُعاد بناؤه على قواعد الوظيفة، والفعالية، والتوزيع العادل للسلطة،
تصبح الدولة أداة نهضة لا عبئًا عليها.

وفي مشروعنا، لا نُعيد رسم خريطة المناصب،
بل نُعيد تعريف معنى الدولة كمنظومة حيوية،
قابلة للتطوير،
قائمة على التوازن،
قادرة على احتضان الفاعلية… لا دفنها.