web analytics
القسم الرابع – الباب الثالث

الفصل الحادي عشر قيم العمل والمواطنة الإنتاجية

من التبعية إلى المشاركة

 مقدمة:

العمل ليس مجرد وسيلة للبقاء، بل هو جوهر السيادة الفردية، وأساس الانتماء المجتمعي، وركيزة النهضة الوطنية.

لكن في سوريا، تمّ اغتيال هذا المفهوم تحت ثلاث ضربات متتالية:

  • الاستبداد، الذي جعل من العمل وظيفة تابعة للولاء لا الكفاءة.
  • الفساد، الذي شوّه العلاقة بين الجهد والمردود، وبين الاستحقاق والفرص.
  • الحرب، التي دمّرت البنية الإنتاجية، وحوّلت شرائح واسعة إلى مجتمع استهلاك مدعوم أو ضحية مساعدات.

لقد انحدر العمل من قيمة عليا إلى حاجة يائسة أو وسيلة إذلال. وانحدرت صورة العامل والمجتهد إلى الحضيض، مقابل صعود رموز التهريب والفساد والثراء السريع.

ولهذا، فإن أي مشروع نهضوي لا يكتمل ما لم يُخض معركة استعادة ثقافة العمل بوصفها قيمة أخلاقية، ومبدأ مواطنيًا، وشرطًا للسيادة.

 أولًا: كيف تم إفساد مفهوم العمل في ظل النظام

  1. الوظيفة العامة أداة تبعية سياسية:
    – التعيين بالواسطة، لا بالكفاءة.
    – الترقي بالولاء، لا بالإنجاز.
    – العقاب أو الطرد لمن يخالف السلطة.
  2. القطاع الخاص بوصفه ملعبًا للنافذين:
    – الاحتكار، الحماية السياسية، غياب المنافسة.
    – إقصاء الكفاءات، وتهجير العقول، وتدمير المبادرات الحرة.
  3. المعونة بدل التمكين:
    – برامج دعم شكلية تكرّس العجز بدل الإنتاج.
    – تغييب مفهوم “العمل كتحرير”، وتحويل الدولة إلى موزّع فتات.

 ثانيًا: انهيار ثقافة العمل في ظل الحرب

  • تدمير المراكز الإنتاجية والبنى التحتية.
  • تحويل الاقتصاد إلى اقتصاد حرب وتهريب ومساعدات.
  • هجرة اليد العاملة والمؤهلات.
  • صعود قيم التربّح السريع والاحتيال، بدل الكدّ والإبداع.

بات الشاب السوري يرى النجاح مرتبطًا بالخداع أو الحظ، لا بالجهد أو الكفاءة.

ثالثًا: إعادة بناء ثقافة العمل كقيمة نهضوية

  1. العمل هو المشاركة:
    في إعادة البناء،
    في الإنتاج الوطني،
    في صياغة القرار الاقتصادي.
  2. العمل هو السيادة:
    لا سيادة لأمة تعيش على المساعدات.
    لا كرامة لشعب يرى في البطالة قدرًا، أو في الوظيفة منّة.
  3. العمل هو العدالة:
    حين يُكافأ المنتج، ويُحاسب المتقاعس، وتُرفع القيمة الإنسانية للجهد.

 رابعًا: المواطنة الإنتاجية – من التبعية إلى الشراكة

  1. الحقوق لا تُفصل عن الواجبات:
    كل مواطن مستحق للعدالة والدعم، لكن عليه أن يُشارك في البناء.
  2. منطق جديد للتوظيف العام:
    لا وظيفة بلا جدوى،
    لا أجور بلا كفاءة،
    لا ترقية بلا تقييم.
  3. تمكين المجتمع من الإنتاج لا استهلاكه:
    دعم المشروعات الصغيرة،
    نشر ثقافة الريادة،
    إزالة العراقيل البيروقراطية أمام الفئات الأكثر فقرًا.
  4. إدماج قيم العمل في التربية والإعلام والدستور:
    العمل قيمة لا مهنة فقط.
    الإنتاج معيار المواطنة، لا فقط الهوية أو الوراثة أو الولاء.

 خامسًا: سياسات عملية ضمن مشروع النهضة

  • إصلاح قانون العمل لضمان الحماية دون تشجيع البطالة المقنّعة.
  • تحفيز المبادرات المجتمعية المنتِجة.
  • نظام ضرائب يكافئ الجهد ويعاقب الريع الطفيلي.
  • إصلاح الإعلام ليُظهر النماذج الناجحة لا الرموز الفارغة.

 خاتمة الفصل:

في سوريا الجديدة، لا نُريد دولة توظّف الناس لتُسيطر عليهم، ولا مجتمعًا ينتظر المعونة ليمتدح النظام، ولا ثقافة تحتقر الجهد وتُعلي من التطفل.

بل نُريد أن يكون العمل هو لغة الكرامة، ومعيار العدالة، وطريق التحرر.

فلا مواطنة بلا إنتاج، ولا سيادة بلا عرق، ولا مشروع نهضة دون أن نُعيد للعمل مكانته، لا فقط في الاقتصاد، بل في الضمير العام.